العقيد م. محمد بن فراج الشهري
باختصار شديد يؤكد تتبعنا لكل من الدور الروسي – الأمريكي منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 حتى الآن -2023- حقيقة أن التدخلات الروسية والأمريكية، والتي كانت مدفوعة في المقام الأول بمصالحها الذاتية وتنافسها في المنطقة، بل وفي الإطار الأشمل لتنافسهما الدولي والذي رأينا أنه بدأ يتبلور مع مجيء فلاديمير بوتين إلى رئاسة روسيا وتصميمه على استعادة مكانتها الدولية ومقاومته اعتبار أمريكا والغرب أن روسيا ليست إلا قوة إقليمية، وقد اتخذ هذا الطابع قوة أكبر حين تمدد حلف الأطلنطي إلى مناطق تعتبرها موسكو فناءها الخلفي لروسيا، جورجيا، أوكرانيا، وبلدان البلطيق، فضلاً عن بلدان أوروبا الشرقية وإقامة نظم للصواريخ المضادة مما اعتبره بوتين تهديداً لأمن روسيا القومي، ومنذ التدخل العسكري الروسي في جورجيا، عام 2010، ثم في أوكرانيا عام 2014 وحتى الآن وضمها لشبه جزيرة القرم، وما تلاه من عقوبات اقتصادية أوجعت الاقتصاد الروسي، والتنافس يأخذ طابعا عالمياً ذكر بعهد الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي، فالصين تعد نفسها لكي تكون أكبر قوة عسكرية عام 2050، وفي عهد ترامب وصل بالميزانية العسكرية الأمريكية إلى 700 مليار دولار، وتركز إستراتيجية الأمن القومي على دعم وتحديث قوة أمريكا النووية وبوتين يعلن عن نظم صواريخ جديدة تذهب إلى أبعد مدى ولا يمكن اعتراضها ومن الضروري أن نتذكر هذا الإطار الأشمل للعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بوجه خاص، وأن إدارتها للأزمة السورية يقع في هذا الإطار.
ويوحي المنحى الجديد للسياسة الأمريكية في سوريا، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار الاستراتيجية التي أعلنها تيلرسون والتي لم ينفصل عنها وزير الدفاع الأمريكي وكذا وزير الخارجية الجديد من تأكيدهم للوجود العسكري الأمريكي، وحيث أفصح جيمس ماتس مؤخراً أمام الكونجرس أنه إذا انسحبت أمريكا من سوريا فسوف تندم على ذلك كثيرا، وعلى هذا أصبحت سوريا مسرحاً لنوع من الحرب الباردة بين القوتين، وفي هذا السياق، وحتى الآن، فإن من الواضح أن الدور الروسي في سوريا جعل لها مكانا على اتساع الشرق الأوسط، وبدت كبديل للفراغ الذي تركته إدارة أوباما ومن جاء بعده، وشهدت إقبالاً من دول المنطقة على روسيا وإدراكاً أنها أصبحت لاعباً رئيسيا، ولعل هذا ما جعل دولاً في المنطقة تقبل على روسيا وتؤسس معها علاقات تعاون في عدد من المجالات المهمة مثل التسلح والطاقة.
غير أن ما حققته روسيا من خلال دورها السوري لا يعني أن بوتين يريد انخراطا عسكرياً طويل الأمد في سوريا، ولعله في هذا يتذكر تجربة الاتحاد السوفيتي أفغانستان وتأثيرها في النظام السوفيتي، ولهذا نرى موسكو تؤكد أهمية التسوية السياسية، وتحاول من خلال آليات مثل أستانا وسوتشي أن تجمع السورية المختلفة، كما تنفى أنها تريد الانفراد بالحل وتؤكد دور الأمم المتحدة وقرارات جنيف 1 ومجلس الأمن 2254. ومع هذا فإن روسيا لن تقبل أي تسوية سياسية لا تضمن لها الاحتفاظ بقواعدها البحرية والجوية في طرطوس وحميميم فهما يمثلان الجائزة الكبرى التي حصلت عليها من الانخراط في الصراع السوري وما استثمرته فيه.
أما الولايات المتحدة فقد أثارت استراتيجيتها الجديدة كما أعلنها تيلرسون ردود فعل حول الدور المستقبلي لأمريكا في سوريا، وأنها تسعى إلى تواجد أمريكا لا يقل عن عشر سنوات له أهداف إقليمية أوسع مثل حماية إسرائيل، واحتمال عمل عسكري ضد إيران. وهذا يعني أن فصلاً جديداً قد انفتح في الأزمة السورية لا ينبئ بتسوية قريبة للصراع. ولعل هذا ما يفسر ما عبر عنه المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا خلال مؤتمر ميونيخ للأمن الدولي، الذي عقد في عام 2018، عن مدى انخراط القوى الكبرى في سوريا بقوله لم أر في السابق دولا كبرى متورطة بهذا الشكل المباشر، وهو ما جعل أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط يقول في جلسة خصصت للشرق الأوسط في نفس المؤتمر «أرى صراعاً بشعاً جداً في سوريا وقوات كبرى تتقاتل فيما بينهما، وقوات إقليمية تتدخل في الشؤون السورية ما سوف يؤدي إلى عدم تسوية هناك لأن الروس والأمريكيين والإسرائيليين موجودون هناك» ولا زالت الاحداث تتوالى على الساحة السورية في الوقت الحالي في ظل تضعضع المعارضة وعدم فائدة تأثيرها المقنع على ساحة الاحداث منذ البداية, وتشتتها وعدم مراعاة معاناة الشعب المشرد في كل مكان.. ولابد للدول العربية من دور يساعد على حلحلت الامور في سوريا ومؤتمر جدة (32) اعطى بوارق امل لحلحت الوضع في سوريا.. نأمل ان تكلل هذه الجهود وماتمخض عنه المؤتمر من توصيات وقرارات في صالح الشعب السوري ومستقبله القومي والعربي والدولي..