من الشعائر الجميلة والكريمة التي اعتاد المسلمون فعلها في كل عام (ذبح الأضحية) والتي جاءت اتباعًا لهدي نبينا صلوات ربي وسلامه عليه، وتذكيرا بأكبر فداء حصل {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} فيحنو من خلالها الغني على الفقير، ويتكاتف الجميع لإحياء هذه السنة المباركة وحيث إنه في كل مرة يكثر السؤال والاستفسار حول مسائل وأحكام تتعلق بالأضحية بعضها صحيح وبعضها الآخر ليس عليه دليل فسأتناول بعضا من النقاط التالية في اختصار:
1- مشروعيتها: اتفق الجمهور على أنها سنة مؤكدة، واستدلوا بحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا» مسلم ووجه الدلالة: قوله (أراد) فتعليق الأضحية على الإرادة دليل على عدم الوجوب.
2- الأصل في الأضحية عن الحي وأهل بيته الأحياء، وأما عن الأموات فإن ضحى عنهم بمقتضى وصاياهم فهذا واجب إلاّ إن عجز عن ذلك وان ضحى عنهم بتخصيص اضحية مستقلة لهم فذلك جائز، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه.
3- ذبح الأضحية أفضل من التصدق بثمنها –عند جميع العلماء- وكلما كانت الأضحية أغلى وأسمن وأتم كانت أفضل، ولهذا كان الصحابة –رضوان الله عليهم- يسمنون الأضاحي، فقد أخرج البخاري معلقاً في صحيحه: قال يحيى بن سعيد سمعت أبا أمامة بن سهل قال: «كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسمنون».
4- لم يرد شيء ثابت في تقسيمها وتوزيعها سوى اثر عن ابن عباس «يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق على المساكين بالثلث» وان تصدق بها كاملا فهو أفضل وان أكلها كاملة أو أهداها كاملة أو أولم عليها ودعا لها فكلها جائزة ويحصل الثواب بإراقة الدم لله وحده لا شريك له {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ}.
5- يجوز إعطاء الأضحية للجمعيات الخيرية لصرفها على الفقراء، لكن الأفضل أن يضحي الإنسان بنفسه، ويتولى توزيعها، فإن إظهار الشعيرة من مقاصد الأضاحي وهي عبودية لله ويجوز للمرأة أن تذبح أضحيتها بنفسها إن كانت تُحسن الذبح حتى ولو كانت حائضاً أو نفساء.
6- يجوز ذبح الأضحية في ليل أو نهار والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير.
7- الأضحية الواحدة تكفي عن أهل البيت كلهم مهما كان العدد إن كانوا مشتركين في بيت واحد على الصحيح وإن كان الابن مستقلا بمنزل فيضحي عن نفسه أفضل إن كان قادراً، ولا بأس أن يكتفي بأضحية والده فهم جميعا أهل بيتٍ واحد.
8- من أراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره وبشرته من بداية دخول العشر، لحديث أم سلمة: «ذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره» ولو لم ينو الأضحية إلا أيام العشر فيمسك من وقت نيته ولا إثم عليه فيما أخذ ولا يلزم الإمساك لكل من أشركهم في أضحيته من أهل بيته أو الوكيل، وإنما من يلزمه الإمساك هو صاحب الأضحية فقط وهو المشتري لها ومن يريد الأضحية بها، ومن نسي فأخذ من شعره أو أظفاره فلا شيء عليه ويضحي ولا حرج؛ لعموم رفع الحرج عن الناسي، لكن من تعمد الأخذ من شعره وأظفاره فهو آثم، وعليه التوبة والاستغفار، ويضحي وليس عليه كفارة، كمن تعمد فعل محرم فإن أصل العبادة لا يبطل ويلزمه التوبة.
9- يجزئ من الضأن ما بلغ ستة أشهر، ومن الماعز ما بلغ سنة، ومن البقر ما بلغ سنتين ومن الإبل ما بلغ خمس ولا تجزئ الأضحية إذا كانت فيها من العيوب التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام «أربعة لا تجوز في الأضاحي: العوراء البيِّن عورها، والعرجاء البيِّن ضلعها، والمريضة البيِّن مرضها، والهزيلة التي لا تنقي» ويعفى عن ما كان خفيفا ليس واضحا بيناً وكذلك العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها وان كان البعض يجيزها مع الكراهة وهو الأقرب، ويجوز التضحية بالخصي والأنثى من بهيمة الأنعام وبمقطوعة الإلية في أصح أقوال أهل العلم والهتماء التي سقطت ثناياها أو بعضها وكذلك يجوز الأضحية بالمصابة بـ(الطلع) وهو خراج يصيب البهيمة وفي المجمل كلما كانت الأضحية سليمة من الأمراض والعيوب فهي أكمل وأفضل وأرجى لوفرة الأجر من الله فيها.
10- لا يجوز بيع لحمها ولا جلدها ولا أي منها ولا إعطاء الجزار أجرته من لحمها إلا أن تكون إهداء له أو صدقة عليه ويجوز للفقير بيع لحمه الذي أعطي إياه.
11- إن حدث خطأ في المسلخ فأخذ شخصٌ أضحيةَ آخر فلا شيء عليهما، وتجزئ كل واحدة عن الأخرى، وقد رفع عن الأمة الخطأ والنسيان.
12- يكره في الذبح عموما أن يحد السكين والبهيمة تنظر أو أن يذبح البهيمة والأخرى تنظر أو أن يؤلمها قبل الذبح بكسر رقبتها أو قدمها ويبدأ بسلخها قبل خروج روحها.
13- هناك بعض العادات غير الصحيحة وبعضها تصل إلى حد البدعة مثل: أخذ شيء من الدم ورش الجدار به، زاعما أن هذا يشهد له يوم القيامة، أو يمسح على ظهرها ثم يقول: «اللهم اجعل ثوابها لوالدي وهما متوفيان» وهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته رضي الله عنهم، بل هو بدعة.
14- اعتقاد جواز الاشتراك في الشاة الواحدة عن سبعة كما في الإبل والبقر، وهذا خطأ.
15- بعض الناس يعتقد أنه لا بد من الجهر بالنية عند الذبح، وأنه إذا لم يجهر بها غير مجزئة، وهذا غير صحيح، فإن الجهر بالنية سنة وليس بواجب.
هذه بعض مما تيسر جمعه والتنبيه عليه سائلا المولى أن يتقبل من الجميع نسكهم وان يعيده علينا وعلى أمتنا ونحن بأتم صحة وأكمل حال.