عمر إبراهيم الرشيد
يقف الحجاج غداً على صعيد عرفات الطاهر ملبين ذلك النداء الخالد العتيق، الذي هتف به أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. وكل العبادات في الإسلام تحمل في مضامينها حكماً ودلالات روحية وارتباطاً بالعبادات والشرائع التوحيدية منذ آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
لكن فريضة الحج كرحلة روحية وحسية في آن واحد أبرز أركان الإسلام عرضاً لمعاني التوحيد ودلالات النسك، وقدم الإسلام وعظمته وارتباط المسلمين به. ولئن كتبت من قبل عن هذا الأمر إلا أن الحديث عن الحج ومناسكه لا يمكن أن يمل ولابد أن يحضر في موسمه. فمن الطواف حول البيت العتيق سبعة أشواط عكس عقارب الساعة – وبالمثل تدور الكواكب حول الشمس - ولا ننسى سر هذا الرقم (7) الذي هو في علم الغيب عند علام الغيوب، إلى السعي كذلك بنفس الرقم بين الصفا والمروة تماماً كما فعلت السيدة هاجر علها ترى قافلة عابرة أو بشراً يغيثها وابنها بشربة ماء، فكان سعيها هذا ركناً من أركان الحج يؤديه المسلمون كرامة لهذه السيدة وطاعة لله. وما رمي الجمرات إلا إحياءً لما فعله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما الصلاة والسلام حين رموا إبليس بالحصى، دحراً له لمحاولته الوسوسة لهما لكي يعدل الخليل عن طاعة ربه بذبح ابنه تنفيذاً لمشيئة وأمر ربه جل وعلا. ومن ثم يأتي نحر الهدي الذي هو قربان لله تعالى وهو أيضاً إحياء وتخليد لذبح الكبش الذي أنزل من الجنة فداءً لإسماعيل {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} (107) سورة الصافات.
ولا ننسى كذلك دلالة الوقوف على جبل عرفة وأنه الجبل الذي التقى فيه آدم عليه السلام بحواء بعد أن هبطا من الجنة. وحين ندرك دلالات ومعاني النسك فإن أداءنا له يكون بصورة مختلفة، ويكون أدعى إلى الخشوع واستحضار جمال وعظمة الإسلام والحج، حين نشعر وكأننا نعود آلاف السنين، وبأننا نسلك نفس المسارات التي سلكها إبراهيم الخليل والرسل والأنبياء من بعده، فأي شعور أعظم من هذا الشعور.
وكل موسم حج يتجدد شعورنا بالفخر لخدمة هذه البلاد حكومة وجنوداً وموظفين في كل المجالات الخدمية ومتطوعين وكشافة، رجالاً ونساءً لضيوف الرحمن وهذا أعز واجب، تقبل الله حجهم وصالح أعمالهم، وكل عام وأنتم إلى الله أقرب.