خالد بن حمد المالك
عندما نتحدث عن الطرق بين المناطق، وبين المدن، والطرق السريعة داخل المدن، عن الأنفاق والجسور، وعن المقاولين والاستشاريين السعوديين لإنشائها، وعن الجمال في تصميمها، وعن التخطيط لها وتنفيذها لتلبي عقوداً قادمة من الزمن، عندما نتحدث عن المهندسين، وتمكينهم من العمل، وتأهيلهم في دورات، وحضور مناسبات عالمية لاكتساب الخبرة، والاحتكاك بالآخرين، لتبادل الأفكار والمعلومات والمستجدات في صناعة الطرق بأفضل المواصفات، عندما نستعيد كل هذا من ذواكرنا، فسوف يبرز الدكتور المهندس ناصر السلوم باعتباره من قاد هذا التوجه بتوجيه من القيادة لربط المملكة بشبكة عملاقة من الطرق خلال فترتي الملك خالد والملك فهد ودعمهما له بلا حدود ليكون ما تم في عهديهما وفترة ناصر السلوم - رحمهم الله جميعاً - امتداداً لما كان من قبل، مثلما أن ما تم ما بعد فترة السلوم إنما هو امتداد متطور ومتوسع وشامل على ما كان قد نفذ في فترته.
* *
أكتب هذا بعد أن تناقلت الأخبار خبر وفاة الدكتور ناصر السلوم الذي شغل في وزارة المواصلات - النقل حالياً - مراكز قيادية، مديراً عاماً للمشاريع، فوكيلاً مساعداً للشؤون الفنية، ثم وكيلاً للوزارة، إلى أن صدر الأمر الملكي بتعيينه وزيراً للمواصلات، لكن السلوم وهو في المناصب الأولى قبل تعيينه وزيراً لم يكن يمارس صلاحيات محدودة، أو في حدود ما تعطيه له تلك المناصب من صلاحيات، وإنما أطلقت يده وفكره والثقة به إلى درجة الاستحواذ على كل الصلاحيات بتوجيه من الوزير الذي وجد فيه من الكفاءة والنزاهة والإخلاص والجدية في العمل ما جعله يمنحه كل ذلك باطمئنان على أن هذا هو الطريق الصحيح لإنجاز ما تم إنجازه.
* *
كان المرحوم ناصر السلوم يقضي إلى ما بعد منتصف الليل في العمل بمكتبه، حيث الاجتماعات بالمهندسين والمقاولين، وكنت شاهداً على ذلك بالحضور ليلاً إلى مكتبه من حين لآخر لأخذ تصريح أو معلومة عن إنجاز جديد أحرص على نشره بالصحيفة حين كانت المنافسة بين الصحف على السبق الصحفي آنذاك على أشدها، وكان تعامله مع الجميع برقي وحسن خلق وتفهم، ومحاولة لمساعدتهم على تجاوز أي عثرات تؤخر هذا المشروع أو ذاك، دون أن يتخلى عن مسؤولياته في الحفاظ على حقوق الدولة، أو يسمح بإنجاز أي مشروع لا يكون مطابقاً للمواصفات والشروط المتفق عليها.
* *
ومثلما كان يقضي شطراً من الليل في العمل، كان هذا دأبه في النهار، فكان ملتزماً بالحضور والانصراف بأكثر مما يفعله أي موظف بالوزارة، ما لم تكن لديه اجتماعات خارج الوزارة، أو جولات تفقدية على الطرق التي يتم تنفيذها، أو السفر إلى خارج الرياض لنفس السبب، أي أن ناصر السلوم لم يكن يمل ولا يشبع من العمل، بل إن انطباعي عن الرجل أنه كان يجد فيه شيئاً من الاستمتاع والرغبة والشعور بالراحة كلما انتهى من أي مشروع بنجاح، وكان ينسب دائماً الفضل إلى القيادة الرشيدة الداعمة مادياً ومعنوياً لكل ما تم تحقيقه.
* *
أذكر أنه عندما تمت إعادة تشكيل مجلس الوزراء، وكان ممن تم إعفاؤه أن وزارة المواصلات أقامت له حفل تكريم على شرف الملك سلمان بن عبدالعزيز حين كان أميراً لمنطقة الرياض، وهو تكريم استثنائي لم يتم لغيره من الوزراء بمثل ما تم به تكريمه، ويومها قال الملك سلمان في كلمة في هذه المناسبة (كانت تجري في يدي الدكتور ناصر بلايين الريالات، ولم يزده ذلك إلا نزاهةً وإخلاصاً، وكنت أنا وهو نسمي أنفسنا بـ«الحرفيين» لأننا كنا نحب الإشراف على الأعمال التي تتولاها أجهزتنا بأنفسنا)، كما ثمن الأمير - الملك - الجهود الكبيرة التي بذلها الدكتور ناصر في مجال تطوير قطاع النقل في المملكة بصفة عامة وفي الرياض بصفة خاصة، وما قاله الملك سلمان عن ناصر السلوم يغني عن أي قول آخر في حق الفقيد.
* *
كان الدكتور ناصر السلوم يردد دائماً بأنه كان وزيراً مدللاً، نسبة إلى دعم القيادة للوزارة خلال فترة عمله فيها، وأن الفارق بينه وبين الحرامي مخافة الله، رغم الإغراءات الكبيرة التي واجهها، غير أن مخافة الله، والحرص على المال العام، والنزاهة التي أشار إليها الملك سلمان هي التي حمته من أن ينهزم أمام المال القذر، ومكنته من أن يخرج من الوزارة نظيفاً ونزيهاً.
* *
لقد عانى ناصر السلوم كثيراً من المرض، وظل على مدى سنوات في مراجعات لا تتوقف لغسل كليته الوحيدة، إلى أن مات، تاركاً أجمل الذكريات عن خلقه وتواضعه ومحبته للخير، وإخلاصه للوطن، مقدماً أجمل صورة للمسؤول عن نزاهته وصدقه وتفانيه في العمل، بما لا يمكن إلا أن تكون وفاته صدمة لكل من عرفه أو تعامل معه، فله الرحمة، وله الدعاء منا، وأحسن الله العزاء لأسرته ومحبيه، وجعل مسكنه في جنات النعيم.