انتقل فجر يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر ذي الحجة إلى رحمة الله الدكتور ناصر بن محمد السلوم (وزير المواصلات السابق)، وبوفاته فقدت المملكة رجلاً من رجالات الوطن المخلصين الذين شاركوا في مجال من أهم مجالات التنمية، وعملوا بصدق وإخلاص على بناء وتطوير شبكة الطرق في المملكة.
قابلته (رحمه الله) بعد أن تخرجت من الجامعة وكنت أبحث عن عمل فشدني بتواضعه وبساطته وحسن استقباله.
فالتحقت للعمل في الوزارة وتشرّفت بالعمل معه -رحمه الله- وشاركت في مسيرته العملية، وتعلّمت وغيري منه إجراءات العمل والمهنية في الأداء.
عاد من القاهرة بعد حصوله على بكالوريوس الهندسة المدنية يحمل معه -إلى جانب التأهيل العلمي- وطنية صادقة، وحماساً للعمل والمشاركة في تنمية البلاد. التحق بوزارة المواصلات مهندساً مشرفاً على تنفيذ الطرق، ثم سافر إلى أمريكا وأكمل دراسته، وحصل على شهادة الدكتوراه، وعاد إلى وزارته ليواصل العمل بكفاءة عالية، ونظرة ثاقبة بعيدة المدى، مدركةً لأهدافها، وعاملة لتحقيقها.
وخلال عمله في الوزارة أثبت قدرته على الإنجاز، فنال ثقة ودعم قيادته، ورؤسائه، وكسب محبة واحترام وثقة زملائه، كما تمكّن من بناء علاقات مع المسؤولين في القطاعات الحكومية والخاصة، واستفاد منها في تنفيذ برامج الوزارة ومشاريعها.
وفي مسيرته في الوزارة (وفي مواقعه المختلفة منها) توسّعت شبكة الطرق، فزادت أطوالها وتعددت مساراتها، وتطورت مواصفاتها وساهمت في مسيرة التنمية الشاملة، وسهّلت التقارب الاجتماعي، وتمازج العادات والثقافات بين مختلف مناطق المملكة.
لقد حرص -رحمه الله- على تطوير العمل في مجال النقل والطرق من عدة نواحٍ، لعل أبرزها :-
1 - ربط مناطق المملكة بطرق محورية خدمت المدن والقرى والهجر.
2 - إدخال نظام الطرق السريعة إلى شبكة الطرق السعودية.
3 - تنفيذ الطرق الدائرية لخدمة المدن الكبيرة.
4 - تحديث كتاب مواصفات تنفيذ وصيانة الطرق.
5 - إعداد أدلة حديثة لتخطيط وتنفيذ وسلامة وصيانة الطرق.
6 - تطوير آلية تقييم جميع عناصر الطرق، وإدخال (نظام إدارة الصيانة)، والاستفادة من المعدات الجديدة والتقنيات الحديثة لرفع مستوى وسلامة الطرق.
7 - الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في مجال بناء وصيانة الطرق.
8 - تشجيع المقاولين السعوديين على تطوير إمكانياتهم وخبراتهم في مجال التنفيذ والصيانة.
9 -استقطاب الكفاءات السعودية المؤهلة من مهندسين وإداريين للعمل مع الوزارة وفتح مجالات التدريب لهم.
10 - تشجيع المهندسين السعوديين على فتح المكاتب الهندسية وإتاحة الفرص لهم لتطوير خبراتهم.
11 - تطوير الهيكل التنظيمي في الوزارة وانظمه وإجراءات العمل فيها.
12 - حرص على تسجيل تجربة الوزارة في بناء الطرق فأشرف على إصدار كتاب ( المواصلات والاتصالات في المملكة العربية السعودية) الذي يمثل رصداً شاملاً لتطور الطرق في المملكة وتأثيرها على الحياة العامة للمدن والقرى والهجر.
13 - شارك رحمه الله في عدد من اللجان الحكومية وكانت له كلمته المسموعة فيما يعرض عليها من مواضيع.
أثمرت جهوده وبدعم من القيادة الحكيمة عن شبكة واسعة من الطرق السريعة والمحورية، وعدد من المقاولين السعوديين المؤهلين الذين تسلموا مهام تنفيذ وصيانة الطرق بأفضل المستويات، وفريق من المهندسين السعوديين الذين تسلموا العمل في الوزارة، بل وكُلّف بعضهم بمناصب قيادية متعددة في القطاعين: العام والخاص، وكانوا متفوقين في كل موقع تسلموا العمل فيه.
كان معالي الدكتور ناصر - يرحمه الله - حريصًا على العمل الجماعي، ومُشجّعًا لطموح وإبداع العاملين معه، وكان يمارس العمل الميداني، ويزور المواقع، ويطّلع بنفسه على مسارات الطرق المقترحة والمطلوبة، وكان يستفيد من كل الكفاءات الإدارية والفنية المتوفرة في الوزارة، ويحرص على تدريبها لتحمّل المسؤولية، فنجح في تكوين أجيال مؤهلة تحمّلت المسؤوليات من بعده.
كان -رحمه الله -نموذجاً للمواطن الصادق المخلص، نظيف اليد، سليم القلب لا يحمل الحقد ولا البغضاء ينسى الإساءة، ويعفو عمن أساء، إليه كريماً بماله وجهده وجاهه.
ترك المنصب منذ حوالي العشرين عاماً، ولم تنقطع صلته بمن عمل معه، أو عرفه من مقاولين ومهندسين، وإداريين، ومراجعين، ومحبين.
سيرة حسنة لرجل أعطى وطنه بلا حدود ومسيرة مباركة أثمرت شبكة متميزة من الطرق ومجموعة من المقاولين المتميزين وعدداً من المهندسين والإداريين الناجحين.
سيرة تستحق أن تُكتب ومسيرة يجب أن تسجل وتدرس.
اللهم اغفر لعبدك ناصر السلّوم، وارحمه وأحسن إليه؛ فقد كان مخلصاً لوطنه، وقيادته ومحسناً لمواطنيه اللّهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، واجعل يا رب ما قدّمه من عمل في ميزان حسناته. اللهم فاجبر مصاب ذريته وأهله ومحبيه، وأحسن عزاءهم وألهمهم الصبر والسلوان والاحتساب.
** **
- المهندس/ عبدالعزيز بن محمد التويجري