حسن اليمني
لا أحد يجهل جهود ومساعي وزارة الإسكان في حل هذه القضية المستعصية وأعني بها تضخم أسعار العقار وابتعادها عن الملاءة المالية لدخل وإيراد نسبة كبيرة من محتاجي السكن، لكن استمرار بقاء المعاناة رغم كثافة الحلول تعني أن هذه الحلول ما زالت تحتاج إلى مراجعة.
المهم في هذا الأمر هو الآثار المترتبة على قيمة العقار المرتفعة من خلال أبعادها الأوسع مثل تأثير سعر العقار في سعر السلع والخدمات بحكم أنها تدخل في حساب التكلفة وكذلك تأثير الارتفاع في سعر العقار في جودة ورفاهية السكن ذاته من حيث المساحة وآثار انكماش المساحات وتلاصقها في خلق اكتظاظ وضيق في الشوارع الداخلية وخلق المشاحنات بين الجيران خاصة في تلك المباني ذات الحجم الصغير وتعدد وحدات السكن داخله، بمعنى أن السعر العقاري يمتد بآثاره إلى ما هو أبعد من معالجة قضية السكن إلى التأثير في الطبيعة الاجتماعية وجودة الحياة للمجتمع بشكل عام.
كانت المنح الحكومية لبعض الأفراد بمساحات كبيرة تحول فيما بعد إلى قطع سكنية وتباع بأسعار متدنية في متناول الجميع عامل كبير في تمدد المدن وتوسعها في عدد الأحياء السكنية وبذات الوقت تم الاستيلاء على المساحات المخصصة للمرافق الحكومية وغابت الميادين والمساحات الخضراء في عملية خاطئة الجأت بعض الجهات الحكومية لاستئجار المباني غير المؤهلة أصلاً لتقديم خدماتها وإنما تم ذلك للوفاء بحاجة المجتمع لتلك الخدمات كعمل مؤقت لكنه استمر لعدم وفرة الأراضي الحكومية التي تم منحها مسبقاً، وحين اتجهنا لتصحيح هذا الخطأ فاتنا أن الحل الأنسب هو في إنشاء الضواحي القريبة من المدن بدل الاستمرار في ربط سلسلة من الأحياء لتمديد مساحات المدن ما زاد من تكلفة توفير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي دون أن نغفل الحاجة للمدارس والمستوصفات ومراكز الأمن والدفاع المدني والخدمات الحكومية الأخرى لتغرق الطرق والشوارع بالمركبات إلى حد الاختناق مع عدم وجود وسائل مواصلات عامة من الأصل.
رافق ذلك ازدياد عدد سكان المدن من مواطنين نازحين من القرى المجاورة أو وافدين للعمل فتشكل كل ما سبق في عقدة اثرت بشكل كبير وكبير جداً في جودة الحياة حتى ظهرت رؤية ولي العهد التي تجاوزت الخطط الخمسية القديمة لتنفض الواقع وتعيد ترتيبه وتطويره برسم ممنهج ومتكامل قدر الإمكان بناء على تصور مرسوم بخطط ومتابعة ورقابة وخاضع للحوكمة في ضبط المسار وتحقيق النتائج المستهدفة.
عنت الرؤية بتحسين جودة الحياة بشكل قوي ومحسوس نلاحظه ونلمسه وكان العمل جاد وحاد في إيقاف مسارب الأخطاء السابقة وإعادة تصويب تلك الأخطاء مع معالجة آثاره بشكل يراعي حاجة المواطن وقدراته ويعينه قدر الإمكان على تحمل هذا التحول من خلال إنشاء حساب دعم للمواطن وإعادة تنظيم خدمات الضمان الاجتماعي وتقديم الدعم المالي للوظائف والمهن وغير ذلك كثير، لكن بقي سعر العقار يسير في اتجاه آخر يزيد من معاناة المواطن أمام حركة إعادة الترتيب والتطوير، وكما ذكرت في مقدمة هذه السطور فإن جهود وزارة الإسكان في سعيها لمعالجة قضية الإسكان ظاهرة وملموسة ولكن لا بد من القول انها حتى الآن لم تأت بالنتائج المأمولة، ومرد ذلك يعود إلى التركيز على سهولة الحصول على سكن كعلاج لقضية شح السكن.
في اعتقادي القضية لم تكن أبداً شح في السكن ولكن مبالغة في سعر العقار بما يتجاوز وكفاءة أو ملاءة المواطن وكانت معالجة ذلك بالقروض المالية من البنوك كحل لم يكن هو الحل وهنا الإشكالية التي أريد الوصول إليها، أن استبدال المنح السابقة للأفراد ثم تحويلها إلى قطع سكنية لتباع بأسعار في متناول الجميع مع ما خلقه من عقد ومشاكل في توفر الخدمات وتباعد المسافات أقول إن استبدال ذلك بتقديم الأراضي الحكومية للمطور العقاري بسعر جيد ليساعد في توفير السكن ثم تسهيل ذلك بالقروض البنكية هو مسار مشابه للمنح السابقة وإن كان أفضل وأكثر صوابا بشكل فعلي لولا أن ذلك لم يؤثر في سعر العقار بشكل يمكن معه القول إن هذا الاتجاه نجح فعلاً، المطور العقاري يشتري الأرض بالسعر العقاري حسب مؤشر السوق ثم يضيف له تكلفة البناء وهامش الربح وفي النهاية تجد سكنا مساحته 250 مترا مربعا بسعر مليوني ريال نصفها تقريباً أسعار فائدة للبنك على المواطن، وهذا يعني أن سعر العقار فعلاً نزل بشكل كبير لكن قيمة التملك مرتفعة لصالح البنوك وليس هذا وحسب بل إن مساحة السكن صغرت بشكل يؤثر في جودة الحياة بدرجة كبيرة فماذا عن مجاميع الشقق السكنية والتي لا تصلح إلا لسكن الأسر الجديدة أي حديثي الزواج الذين حين يرزقون بالأبناء سيحتاجون إلى سكن أوسع، وإن بقوا وتزاحمت الأسر في عمارة سكنية ظهرت مشاكل اجتماعية تخلقها طبيعة المجتمع وعدم توافق السكن مع هذه الطبيعة لنصبح في دوامة مستمرة من القضايا.
العلاج الحقيقي لجمح أسعار العقار هو بالتخلص التام من المباني المستأجرة من قبل الجهات والمؤسسات الحكومية وهيئاتها ومكاتبها المتخصصة وكذلك الشركات التي تملك الدولة أكثر من عشرة بالمائة من أسهمها، هذا في اعتقادي سينقل تبعة التغيير والتطوير من كاهل المواطن إلى قوة اقتصاد الدولة القادر على تحمله مقابل إعادة تصحيح وتصويب سعر العقار الذي بدوره سينبسط على تطويع أسعار السلع والخدمات ويدعم إيراد ودخل المواطن ويحقق جودة الحياة ويرقيها، بل إني أعتقد أن الاتجاه في هذا المسار بحد ذاته سيُظهر نتائج واضحة.