سلمان بن محمد العُمري
في كل موسم خير يأتي من لا علم له ولا دراية بأطروحات سخيفة، ولا أعلم عن ترداد هذه الأطروحات والأسئلة أعن جهل وحسن نية أم عن خبث وسوء طوية؟، ومن ذلك قولهم: أيهما أفضل شراء أضحية وذبحها، أم توزيع مبلغها على الفقراء؟، وكقول بعض الناس: اتركوا الطواف حول الكعبة، وطوفوا حول الفقراء»، وقول غيرهم: لقمة في فم جائع أفضل من بناء المساجد، وقول آخرين: التصدق بثمن الأضحية أفضل من ذبحها, وطرح هذه الأفكار الساذجة والأسئلة التي انتشرت في الآونة الأخيرة يحتاج منا إلى وقفة فيمن لا يقدرون الشعائر الإسلامية، ويخوضون في أمورها دون علم، وهذه الكلمات سواء أكان قائلها يعلم أو لا يعلم، الغرض منها هو تزهيد المسلمين في الشعائر الظاهرة التي يظهر بها شعار الإسلام ويتميزون بها عن غيرهم، والشعائر: جمع شعيرة، وهي كلُّ ما أمر الله به من أمور دينه؛ فيجب علينا الالتزام والاتباع، ومن ذلك الأضاحي.
والأضحية سنة مؤكدة بالإجماع ولا ينبغي التهاون والاستخفاف بالسنن المؤكدة بصفة عامة، ومن يطلق مثل هذه المقولات يجهل حقيقة الدين وأحكامه الحكيمة وترتيب الأولويات؛ فالفقراء موجودون في كل زمان منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا ولم يقل أحد مثل هذا القول غير المستند لنصوص شرعية، ولماذا لا تكون المقارنات إلا بين العمرة والأضحية وشعائر الإسلام وبناء المساجد، وبين الفقراء؟
لماذا لا يقال: لا تشترِ لحماً مرتين في الأسبوع واشترِ مرة واحدة في الشهر وطف حول الفقراء؟
لماذا لا يقال: لا تشربوا السجائر، وادفعوا ثمنها للفقراء؟
لماذا لا يقال: اتركوا قاعات الأفراح والأثمان الباهظة وطوفوا حول الفقراء؟
لماذا لا يقال اتركوا المصايف والتنزهات وطوفوا حول الفقراء؟؟
لماذا تنفق الأموال في الترف والغناء والأفلام والمسلسلات والمباريات والنت، ولا تطوف هذه الأموال حول الفقراء؟
لماذا.... ولماذا.......
سؤالنا نحن الآن لماذا لا تتركون لنا شعائرنا نتمتع بها؟
إن بعض هذه الأسئلة لم تصدر من فراغ فهي تنطلق من الملحدين والمنافقين وأعداء الإسلام ويتلقفها الغوغاء والجهلة فيلوكونها على ألسنتهم وفي مواقع التواصل ويخدمون بذلك من يكيدون لهذا الدين، ويقوم السذج والذين ينخدعون بظاهر العبارة ورونقها ولا يعلمون ما وراءها من عوامل هدم شعائر الإسلام الظاهرة والخفية، ثم إن أكثر من يردد مثل هذه العبارات غالباً لا يطوفون حول الكعبة، ولا حول الفقراء.
الأضحية شعيرة من الشعائر الإسلامية وسنة مؤكدة، والله غني عنا وعن أضاحينا ولكننا نتقرب إلى الله عز وجل بأدائها في زمنها المخصوص وبنية خالصة لوجه الله عز وجل وسنحافظ عليها ولا نلتفت لهذه الدعوات التي تريد نفي شعائر المسلمين وإذهابها من الوجود.
وفي الوقت الذي نلوم فيه المقصرين فيها أو المخذلين عنها؛ وبالمقابل هناك معلومة يجهلها كثير من الناس وينبغي التعاون في نشرها وقد أجاب عنها الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله وكان هذا نص السؤال:
س- هل من الأفضل أن تضحي المرأة عن نفسها مع أن زوجها يضحي عنه وعن أهل بيته وهي منهم؟
فأجاب رحمه الله: «إن هذا غير مشروع وخلاف السنة وأنه يكفي للبيت أضحية واحدة تشمل أهل البيت الواحد كلهم، ويقول رحمه الله؛ فنجد أحياناً الزوج يضحي عنه وعن أهل بيته، فتأتي زوجته وتقول أريد أن أضحي أنا أيضاً، وتأتي أخته وتقول أريد أن أضحي، ثم تأتي البنت وتقول أريد أن أضحي، فتجتمع في البيت الواحد ضحايا متعددة، وهذا خلاف ما عليه السلف الصالح، فإن أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم لم يضح إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، ومعلوم أن له تسع نساء - يعني تسع بيوت- ومع ذلك ما ضحى إلا بواحدة عنه وعن أهل بيته، وضحى بأخرى عن أمته صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يضحي الرجل منهم بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته.
فما عليه كثير من الناس اليوم فهو (إسراف) ونقول لهؤلاء الذين يضحون بهذه الضحايا، إذا كان عندكم فضل مال فهناك أناس محتاجون لهذا المال من المسلمين».
لقاء باب المفتوح (3-92) فتاوى الشيخ (25-175)
خاتمة:
قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}.