د.بندر بن مفرح العسيري
تشير التوجهات العالمية إلى أن المناخ الاقتصادي للعالم يتجه نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، حيث إن المعرفة تعتبر من أهم الثروات العالمية الأعلى ثمناً، كما أنها تعد من أبرز محركات اقتصادات الدول ومؤشراتها التنموية، وقد برز مفهوم إدارة المعرفة كأحد المفاهيم الإدارية الحديثة التي تحرص المنظمات على تطبيقها لتحقيق الميزة التنافسية، وتطبيق منهجيات وأنظمة ذكاء الأعمال التي تعزِّز قدرات المنظمة وتسهم في تحسين أدائها وتطوير العمليات اليومية، من خلال الاستفادة مما تقدمه الموارد البشرية من بيانات ومعلومات يتم تحويلها بعد تحليلها وتصنيفها وخزنها إلى معارف وقدرات ومهارات تعزِّز قيمة المنظمة، ويتمثَّل دور إدارة المعرفة في كيفية استثمار المعارف التي تملكها المؤسسة وكيفية تطويرها وخلق معارف جديدة وبناء ثروة معرفية تسهم في التحول إلى مجتمع معرفي، وتحقق رؤية الخطة الإستراتيجية للمنظمة ومستهدفاتها، وتكمن أهمية البيانات والمعلومات والمعارف بالنسبة لذكاء الأعمال في كونها مورداً أساسياً لكافة العمليات اليومية، حيث تنعكس جودتها على مؤشرات الأداء وتجويد المخرجات وتعزيز فرص استثمار رأس المال البشري باعتبار المعرفة دعامة قوية من أهم دعائم العمل التنموي.
وتعتبر خبرات ومهارات وقدرات الموارد البشرية من أهم الأصول المعرفية في المؤسسات في القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الثالث، حيث يمكن استثمارها لتعزيز القدرة الإنتاجية وتحقيق مزايا تنافسية تسهم في التحول إلى مجتمع مؤسسي يؤمن بأهمية المعرفة وإدارتها ويرسخ ثقافة ذكاء الأعمال في المنظمة، كما أنها تساعد في تطوير وتحسين أداء العاملين في المنظمة وتزيد في فرص تنمية مهاراتهم الوظيفية والفنية والإشرافية، وتساعد في بناء الأطر المرجعية التي توحّد الإجراءات في المنظمة.
وتعد عملية صناعة القرار المؤسسي المبنية على منهجيات وأنظمة ذكاء الأعمال العملية الأكبر والأهم على خارطة المنظمة العصرية، حيث إنها لا تمثِّل واقع القرار فقط، بل إنها تستدعي الماضي من خلال خط الأساس وتنطلق إلى تحقيق المستهدفات المستقبلية للمنظمة، ومن المعلوم أن عملية صناعة القرار تمر بجملة من المراحل بدءاً من مرحلة البناء والصناعة ومروراً بمرحلة التجويد والمراجعة وانتهاء بعملية اتخاذ القرار، ومما لا شك فيه أن تسلسل هذه العمليات والعمل بآلياتها ونماذجها ومعاييرها يساعد بشكل كبير في تقليل نسبة الخطأ على مستوى صناعة القرار ويحد من التداعيات والآثار المترتبة على اتخاذه، بفضل تطبيق ممارسات ذكاء الأعمال الرقمية التي تساعد في نضج وجودة القرار وتعزيز فرص قبوله لدى أصحاب المصلحة.
وتأسيساً على ما سبق فإن الحاجة تعظم وتكبر لذكاء الأعمال في كافة المجالات، وعلى الأخص في مجالات تقديم الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم، لخصوصية القرارات المرتبطة بها، وفي تقديري أن ترسيخ إيمان العاملين بقيم إدارة البيانات والمعلومات وإدارة المعرفة، ومنها (ثقافة مشاركة المعرفة)، سيسهم بشكل كبير في الحد من العشوائية وازدواجية الأداء والاجتهادات في الإجراءات، وتمنح العاملين في المنظمة حلولاً مناسبة ومتقاربة لمعالجة المواقف اليومية في بيئة العمل وتعزز جودة ونضج القرار وتأثيره على أصحاب المصلحة، إضافة إلى ذلك فإن ثقافة مشاركة المعرفة تزيد من فرص نجاح عمليات التدوير الإداري في المنظمة، وتضمن استدامة المعرفة وتعزيز قيمة الإتقان والإبداع والابتكار والإنجاز لدى العاملين وتؤكد ثقة المستفيدين بالمنظمة ورضاهم عن أدائها.
** **
- مستشار تعليمي وثقافي