د. عبدالحق عزوزي
نظِّمت الدورة الثامنة والعشرون للمعرض الدولي للنشر والكتاب في مدينة الرباط، بمشاركة 737 عارضاً، منهم 287 عارضاً مباشراً، و450 عارضا غير مباشر، يمثلون 51 بلداً، وقدموا عروضا وثائقية تجاوزت عدد عناوينها 120.000 عنوان بحقول معرفية مختلفة ورسالة ثقافية مشتركة، ليكون زوار المعرض من المغاربة والأجانب في رحاب أكبر مكتبة مفتوحة.
وبموازاة ذلك، شهدت الدورة تنظيم فعاليات ضمن برنامجها الثقافي العام يحضرها 661 من الكتاب والمفكرين والشعراء المغاربة والأجانب تناهز في مجموعها 221 نشاطا، وتضمنت ندوات موضوعاتية، ولحظات استرجاعية لفكر وإبداع بعض الرموز الثقافية التي أسست مسارات فكرية وإبداعية متميزة، إضافة إلى لقاءات مباشرة بين المبدعات والمبدعين وجمهورهم.
وإسهاما من المعرض في دعم التنشئة السليمة، خصصت الدورة فضاء موجها إلى فئة الأطفال تضمن ورشات علمية وفنية تعزز علاقة الطفل بالمعرفة والكتاب، إضافة إلى مجموعة من المضامين المخصصة للتداول بشأن ما يستجد في مجال صناعة الكتاب وما يتصل به من شؤون القراءة، وذلك انسجاما مع المكانة الرائدة التي يحتلها هذا المعرض في قائمة المعارض الدولية للكتاب.
وفي إطار فعاليات هاته الدورة، تم تقديم «المعجم التاريخي للغة العربية» وهو مشروع حضاري بلغ جزأه السادس والثلاثين، يُعِدُّ للغة العربية معجمها التاريخي، وهو ديوانٌ ضخم يضمّ جميع ألفاظ اللغة العربية، ويبيّن أساليبها، ويوضح تاريخ استعمالها أو إهمالها، وتطوّر دلالاتها ومبانيها عبرَ العصور، ويُعنى بذكر الشّواهد ومصادرها مع التّوثيق العلمي لكل مصدر؛ فهو هو معجم لغويّ موسّع يكشف عن تاريخ اللغة العربيّة، وعن تاريخ الأمّة العربيّة وحضارتها...
وهذا المشروع كان حلما من أحلام المثقفين العرب وعشاق العربية وظلوا يترقبون برقه عصوراً، إلى أن ظهر برق من الشارقة، على يد الشيخ سلطان القاسمي، الذي تعهد برعاية هذا المعجم بأكمله... وهو مشروع اتحاد مجامع اللغة العربية ومجمع اللغة العربية بالشارقة، وهو مشروع أمة وحضارة، بعدما تأخر موعد اللغة العربية مع معجمها التاريخي..
وتشتمل مدوّنة المعجم التّاريخي للّغة العربيّة على كل كلمة استعملت في اللّغة العربيّة بدون استثناء في النصوص والسياقات التي وردت فيها، بجميع صيغها وتقلّباتها، وأبنيتها، والتَّراكيب التي وردت فيها، مع بيان جذرها، وكيفية استعمالاتها، وتاريخ استعمالها، والتّطوّر الذي حصل للكلمة عبر الزّمن، وصولاً إلى دلالاتها المعاصر وصدر من المعجم حتى الآن 36 جزءاً (...) وفي كل عام يأتي المزيد... وحُددت تخوم الجمع بوضوح: يبدأ قديما من عصر النقوش على الأحجار وسعف النخيل، إلى العصر الحديث، بعدما جمعت اللغة العربية أيام الخليل والكسائي والأصمعي، وتوقف ذلك في القرن الرابع من حيث الزيادة... وترصد ألفاظ اللغة، عبر العصور، وقد اقتضى ذلك أن يوضع تقسيم للعصور، هي خمسة أعصر: ما قبل الإسلام، العصر الإسلامي، العصر العباسي، عصر الدول والإمارات، فالعصر الحديث... وهذا الرصد يقوم على رصد تاريخ ميلاد الألفاظ، ولكلٌّ لفظ تاريخ ميلاده الخاص: يولد ويحيى، منها ما يدخل مرحلة كمون، بعضها ينقرض، وبعضها تتطور دلالته وتتعدد.
ويمكن تقديم مثال»عين»، وهي «تعني الباصرة، وعين الماء الجاري، والجاسوس، وأطلقت على حرف من حروف الأبجدية... وبدأت على عين الماء، ثم أطلقت على الباصرة التي يتحدر منها الدمع، ثم الجاسوس الذي يقوم على استخدام هذه الآلة، فحرف الكتابة الذي يأخذ في تدويره صورة العين».
ومما يحسب لهذا المعجم، أنه يرصد «لغة العرب»، «لا لغة الأدباء وكبار العلماء وأصحاب البلاغة ومن يُحتج بقولهم؛ مما استدعى الخروج به على حدود ما سمي بعصور الاحتجاج اللغوي، التي جمدت قرونا بعدها لم يُستعَن بإبداع أهلها»، ومصادره «موزعة على الرقعة العربية، من أقصى المشارق إلى أقصى المغارب، وهو ممثل للغة العربية في كل مكان»؛ حيث يجد فيه القارئ «كل لفظ صحيح، نطق به القدماء، أو نطق به المُحدثون»، مستشهَداً عليه بكل نص صحيح، بصرف النظر عن قائله من القدماء والمحدثين، من عصر ما قبل الإسلام إلى أيامنا هذه.