أ.د.عثمان بن صالح العامر
حديث الناس هذه الأيام (الأضاحي) أسعارها المرتفعة، استيرادها، ذبحها، مكان الذبح صبيحة يوم العيد، الأخذ من الشعر والأظافر لمن أراد أن يضحي، وفي وسط هذه التساؤلات، وفي ظل العادات السنوية التي تحل في مثل هذه الأيام يغيب عنا الأصل في هذه الشعيرة العظيمة.
من المعلوم أن رؤيا الأنبياء وحي، خلاف غيرهم من البشر. ومن أشهر الرؤى على الإطلاق رؤيا سيدنا إبراهيم عليه السلام، التي حكاها لنا الرب سبحانه وتعالى بتفاصيلها في كتابه الكريم. وكانت الأضحية هي الفداء الإلهي لإسماعيل عليه السلام، الذي ما كان منه حين أخبره إبراهيم الأب عن رؤياه إلا التسليم والانقياد، ووصل الحال بالأب المكلوم أن يضع السكين على صفحة عنق فلذة كبده ليذبحه طاعة لله -عز وجل-.
ومن هذه الحادثة التي تبرهن على عظم الابتلاء، والرضا حين القضاء، كان الجذر لما فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مثل صبيحة يوم العيد (يوم النحر) اقتداءً بفعل أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، ونضحي نحن كما ضحى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونحيي في هذه المناسبة الجليلة هذه الشعيرة العظيمة التي ندبنا لها ربنا سبحانه وتعالى.
إن من رمزية هذه الشعيرة التي يعيشها المسلمون اليوم:
- كرامة بني آدم عند الله، والمنزلة العالية للإنسان في ميزان الرب سبحانه الذي كان الذبح العظيم فداءً له إلى يوم الدين.
- تسخير الله -عز وجل- الأنعام للإنسان، وجعلها مما منّ الله به علينا وأنعم لنأكل منها ونركب.
- عظم بلاء الأنبياء وشدته؛ فها هو أبو الأنبياء يُبتلى بذبح ابنه، ولك أن تتصور أن يكون هذا البلاء الذي جرى على سيدنا إبراهيم -عليه السلام- للبشرية من بعده؛ ولذلك كل بلاء يقع في هذه الدنيا هو أقل من ذلك وأهون.
- اقتداء نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بإبراهيم عليه السلام، ونحن أسوتنا في أعمالنا محمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
- وجوب التسليم لما أمر به الله، حتى ولو لم تعلم الحكمة من ذلك، وهذه هي حقيقة الإسلام (الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك).
- عقد الأمل والرجاء في كل الأحوال بالله؛ ففرج الله قد يأتي بلحظة من حيث لا تعلم، ودون أن تعلم. السكين على صفحة عنق إسماعيل، والأب يدير وجهه حتى لا تغلبه عاطفته فينصرف عن أمر الله له، وما هي إلا ثوانٍ معدودة وإذا بالفداء يتدحرج بين يديه.
- عدم الاعتراض على ما قدَّر الله وكتب؛ إذ لم يقل إبراهيم عليه السلام (يا رب وش سويت)، ولم يكن من ابنه إسماعيل عليه السلام إلا أن يقول (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وهو يقاد للذبح، النهاية والرحيل. يا الله، موقف مهول، ولكنه أمر الله وقدره.
ضحوا صبيحة يوم عيدكم الأربعاء القادم أو أيام العيد الثلاثة، تقبَّل الله ضحاياكم، وتذكروا في هذا الموضع قول الله تعالى: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) دمتم بفرح، وكل عام وأنتم بخير، وعشركم مباركات، وإلى لقاء. والسلام.