قبل أيام، ساورتني عبارة داهية العرب عمرو بن العاص «مكره أخاك لا بطل»، حين استوقفني سجال «حامي الوطيس» بين اثنين من مشاهير التواصل، أحدهما «فائز» بقلوب متابعيه، يفعل الخير بدأب وطواعية، ويدعو للتبرع للجمعيات الخيرية الموثوقة لتتمكَّن من أداء رسالتها، بينما لا يقدِّم الآخر، عبر حسابه المتضخم بالمعجبين والمعجبات، سوى التنظير والمشاكسة، ليبرر تلقيه مبالغ مالية تصل إلى ملايين الريالات مقابل كل إعلان تنشره بعض الجمعيات «مكرهة» على صفحاته، أملاً في جمع تبرعات تعينها على تحقيق أهدافها.
ولأنني مهتم بمتابعة أحوال أهل الخير منذ زمن، وجدت نفسي أترحّم «على زمان أول»، حين كانت الجمعيات الخيرية تستعين بعلماء ومشايخ لحث القادرين على بذل المال لمساعدة المحتاجين، وتعزيز مبدأ التكافل الاجتماعي، ومد يد العون للمرضى غير القادرين والأيتام والأرامل.
ورغم تحفظي، حينها، على ما يتلقاه هؤلاء المشايخ مقابل تلك الجهود، إلا أنني أدركت مؤخراً أن هؤلاء لديهم مسؤوليات والتزامات تجاه أسرهم وأبنائهم، ومن الطبيعي أن يجدوا مقابلاً، ولو متواضعاً، ليعينهم على أعباء الحياة.
الآن، مشكلتي ليست مع الجمعيات الخيرية التي تلجأ لمشاهير السوشيال للإعلان عن أنشطتها وحث القادرين على التبرع بالمال لتواجه التزاماتها تجاه مشاريعها المجتمعية والخيرية.. فالأزمة الحقيقية مع ذلك «المشهور» أو من يسمونه تجاوزاً «المؤثِّر» الذي لا يفعل الخير «ببلاش»، أو «لوجه الله»، أو حتى من باب «الفزعة» للفئات المحتاجة، رغم أنه لم يبلغ شهرته الوقتية، التي تزيد وتنقص بعدد اللايكات والريتويتات، إلا في زمن «التيك توك»، الذي يصفه الخبراء بأنه ظاهرة في طريقها للزوال.
وحتى ذلك الحين، أتمنى أن أرى العشرات من «فاعلي الخير» المجاني، يزاحمون «مشاهير الملايين» على مواقع التواصل، قبل أن يستفحل تواجدهم، ويطغى على واقعنا الحقيقي بعدما تغوّلوا على واقعنا الافتراضي.
وقبل الختام، أطرح بعض التساؤلات التي تبحث عن إجابات شافية، وربما تحتاج إلى تدخل الجهات ذات العلاقة لحماية أموال المتبرعين:
* أليس من حق المتبرع أن يعرف المصارف التي تنفق فيها أمواله؟
* وهل يجوز، شرعاً أو عرفاً، أن تدفع تلك الجمعيات جزءاً من أموال المتبرعين للمشاهير مقابل نشر إعلاناتها على صفحاتهم؟
* وهل يعلم المتبرع أن جزءاً من أمواله ينفق على إعلانات الجمعية؟
* وتحت أي بند يتم تصنيف تلك المبالغ المدفوعة للمشاهير..؟ هل هم من العاملين عليها؟!
* وإذا كانت تلك الجمعيات تدفع الملايين للإعلان لدى المشاهير، فهل يتبقى لها ما يعينها على مواجهة التزاماتها وتحقيق أهدافها تجاه الفئات المحتاجة؟
* وهل يعد إنفاق تلك الملايين على الإعلانات لدى المشاهير، إهداراً لأموال المتبرعين دون وجه حق؟
وأخيراً.. ألا ترى أن الفئات المحتاجة أحق بملايين تذهب لمشاهير لا يقدِّمون لنا سوى صداع يومياً «لا يسمن ولا يغني من جوع»..؟!