محمد سليمان العنقري
يعرفها المختصون بأنها «حالة سلوكية يمارسها الشخص بلا توتر أو خطر بسبب اعتياده على ممارستها ضمن إطار روتيني محدد. ينتج عن هذا الروتين تكيّف ذهني يعطي الشخص شعوراً غير واقعي بالأمان وفي نفس الوقت يحد من قدرته على التقدم والإبداع» فمن العلل الكبرى التي قد يقع فيه أي شخص شعوره بالراحة والاسترخاء للنجاح الذي حققه بمرحلة ما من عمره وكأنه حالة مستدامة فبمجرد أن تتغير المعطيات التي وفرت له هذا الشعور بالأمان سيفاجاً بتغير أحواله وقد لا يسعفه الوقت لكي يتدارك التداعيات السلبية فهذا الواقع لا ينطبق على الأفراد فقط، بل أكثر من يعاني منه المنشآت في قطاع الأعمال، بل حتى الدول يمكن أن تقع فيه إذا لم تقرأ المتغيرات العالمية والتوجهات الاقتصادية وبوصلة الاستثمار وأي القطاعات تهيمن على المشهد الاقتصادي الدولي.
ولكن التركيز على قطاع الأعمال يبدو هو الأكثر أهمية في ضرورة التفات الإدارات التنفيذية ومجالس الإدارات فيها لخطر الوقوع بمنطقة الراحة والتي يمكن قراءتها بمستويات متعددة، فمثلاً نشاط المنشأة الذي نجحت فيه لسنوات ليس مستداماً قد يتعرض السوق لمتغيرات لم تكن إدارة الشركة توقعتها نتيجة شعورها بالاطمئان لاستدامة الطلب على منتجها دون أن تراقب ما يحدث من حولها سواء دخول منافسين قادرين على أخذ حصة سوقية منها أو ظهور منتج جديد يقلِّل الطلب على المنتج الرائج بالسوق وهذا ما حدث مع شركة نوكيا للهواتف المحمولة التي كانت تسيطر على 35 بالمائة من السوق العالمي لكنها بنهاية المطاف ونتيجة لعدم مواكبتها الانتقال الذي حدث بالسوق للهواتف الذكية بقيادة آبل ثم تلتها سامسونج وظهرت معهم عشرات الشركات أدى ذلك لانهيار قسم تصنيع الهواتف المحمولة لدى نوكيا واضطرت لبيعه لشركة مايكروسوفت وإلى يومنا هذا لم تستعد هذه العلامة التجارية المميزة شيئاً يُذكر من سوقها السابق والسبب شعورها بالأمان والراحة أدى لتخديرها عن ما يجرب من حولها ولقناعة إدارتها بأن مكانتها لن تهتز إلا أن الواقع قال كلمته وأصبحت الشركة قصة تروى عن غياب النظرة المستقبلية لنشاط الهواتف المحمولة،كما أن هناك وجهاً آخر لمنطقة الراحة يتمثَّل بشعور كبار التنفيذيين داخل المنشأة بأنهم لن يخسروا مواقعهم وأن لديهم رصيداً من الإنجاز يكفي لبقائهم بمناصبهم دون أي شعور بالخطر على استقرارهم الوظيفي والحقيقة أن ذلك ليس إلا وهماً لا بد أن يتخلص منه الفرد، فدوام الحال من المحال فإذا تراجع أداء المنشأة سيتم البحث عن الأسباب والتي من بينها الترهل الإداري وغياب الإبداع وهو ما يتطلب تجديد الدماء، فكلما شعرت بالأمان عليك أن تزداد بالحذر من نفسك أولاً لأن عدم تطويرك لقدراتك وتقديمك لأفكار متجددة تناسب كل مرحلة من واقع السوق سيعني قرب خروجك من المنشأة عند أول تراجع بأدائها، كما أن أي تغير بملكية المنشأة مثل الاستحواذات والاندماجات سيعني توجهات جديدة للملاّك الجدد وهو ما سيلغي منطقة الراحة لمن أمضى سنوات بمنصب بالمنشأة دون أن يطور من نفسه وسيجد نفسه خارج حسابات الإستراتيجية الجديدة والتوجهات التي سيعتمدها الملاّك الجدد وسيتم الاستغناء عنه.
من المهام الرئيسية لدى الإدارات العليا بالمنشآت أن تجدد الحيوية في أداء موظفيها مهما علت مناصبهم أو كانوا متميزين بفترة ما إذ يجب إخضاعهم للتطوير والتدريب باستمرار إضافة لضرورة قربهم الدقيق من السوق واطلاعهم المستمر على التطورات العالمية والمحلية لنشاط المنشأة فبعض الإدارات تعتقد أنها توفر نفقات لا ضرورة منها إذا غابت عن حضور مؤتمرات أو معارض تتعلق بمجال عملهم وهذا من الأخطاء الكبرى أو تقلل الإنفاق على التطوير والتدريب، فالنظرة الصحيحة أن هذا الإنفاق هو استثمار برأس المال البشري الذي يعد أهم ركيزة لنجاح المنشأة، فإشعار أي إدارة لموظفيها بأنه لا وجود لمنطقة راحة حقيقية إلا بالإنجاز والتطوير المستمر هو ما يضمن بقاء المنشأة ونموها وللموظف الاستقرار والأمان الوظيفي.