د. محمد عبدالله الخازم
عانى التعليم العالي السعودي، ولازال، خلال العقود الأخيرة من سيطرة الفكر الأكاديمي في تطويره على حساب التنظيمي والاقتصادي والفكري. وأقصد بالفكر الأكاديمي، ذلك الغارق في التفاصيل والإجراءات الأكاديمية. لدينا اليوم وزير قادم من خارج القلاع الأكاديمية، وهو أمر يحفزنا للمطالبة بتطوير نموذج مؤسساتي يحاكي المستقبل وتطلعات رؤية 2030 الحاثة على تحويل الجامعات إلى منظمات منتجة وذات كفاءة اقتصادية عالية. المنظمة المنتجة، تعني وجود مدخلات وعمليات ومخرجات يمكن قياسها، وللأسف بأن المدخلات (المالية تحديداً) الحالية للجامعات السعودية الحكومية غير مرتبطة بالمخرجات وميزانياتها عبارة عن ميزانيات تشغيل، بناءً على البنود الخمسة التقليدية. بعد التمهيد بسرد منتجات الجامعة وآلية تمويلها، نطرح آلية ربط الدعم/ الميزانية بالمخرجات أو المنتجات ونقترح إيجاد جهة وسيطة تنظيمية لهذا الأمر...
تشمل منتجات الجامعة ما يلي:-
1- تأهيل القوى البشرية عبر التدريس والتدريب والتطوير والبحث.
2- البحث العلمي وما يتبعه من إبداع وتطوير واختراع وإنتاج.
3- تقديم الخدمات، مثال الخدمات الصحية.
4- خدمة المجتمع بشقيه مجتمع الجامعة والمجتمع الخارجي.
أما مصادر تمويل الجامعة (المفترضة)
فتشمل ما يلي:-
-1 الرسوم الدراسية والأكاديمية.
-2 موارد بيع الخدمات كالخدمات الطبية.
-3 موارد/ منح/ شراكات البحث والمنتجات التقنية.
-4 الاستثمارات والإيجارات.
-5 الأوقاف والهبات.
وحيث إن القاعدة التي نتبناها هنا هي «الدعم مقابل منتج/ مخرج واضح» ولكون التدريس أهم المنتجات فإنه يجب أن يكون محور الدعم الحكومي ومصدر الإيراد الأول للجامعة. بمعنى آخر، كل مقعد دراسي جامعي له قيمة مادية والدراسة في الجامعة عبارة عن منح دراسية تكفلها الحكومة أو الجامعة عبر مواردها الأخرى أو الطالب. كمثال، لو افترضنا جامعة عدد طلابها 50 ألفاً تتكفل الدولة بدراستهم ومعدل سعر المنحة الدراسية 40 ألفاً، فهذا يعني أن المصدر الأكبر من ميزانيتها سيكون منحاً دراسية حكومية تقدر بملياري ريال. يضاف لها مجالات الدعم الحكومي الأخرى المتمثلة في شراء الخدمات من الجامعة (الخدمات الصحية مثلاً) ودعم المشاريع والمبادرات الجامعية ودعم المنح البحثية ..إلخ. وللجامعة البحث عن موارد إضافية ذاتية، لن نتوسع فيها بسبب مساحة المقال (الخازم م.: جامعة 2030: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2018م). هكذا تدعم وتمول الجامعات العالمية المتقدمة...
ولتطوير منظومة التعاملات والدعم المالي، أقترح تأسيس وعاء تنظيمي وسيط ممثلاً في «صندوق التعليم الجامعي». الاسم هنا مقترح، وأرجو نسيان أية صندوق (صغير) حمل أو يحمل هذا المسمى. هناك أمثلة محلية (الصندوق الثقافي/ الاجتماعي/ الزراعي/ الصناعي/ إلخ) وبعضها يشكل محور الدعم الحكومي للقطاع، مثل صندوق شراء الخدمات الصحية متى اكتمل تأسيسه.
صندوق التعليم الجامعي ستكون موارده:
-1 ما يخصص له من الحكومة.
-2 الاستثمارات والموارد الذاتية ذات العلاقة.
-3 موارد / أقساط الادخار التعليمي (سبق أن كتبنا عن مقترح الادخار التعليمي).
-4 الهبات والتبرعات.
وستكون مصروفاته كما يلي:-
-1 تمويل المنح الدراسية الحكومية.
-2 تمويل منح البعثات والتبادل المعرفي (طرحنا تفصيل ذلك سابقاً).
-3 تمويل المنح الناتجة عن نظام الادخار التعليمي.
-4 تمويل والاستثمار في المشاريع الجامعية.
-5 تمويل المبادرات الجامعية.
حتماً، التحول في آلية الميزانية/ الدعم يستوجب تغييراً في العمليات وله إيجابيات في رفع كفاءة الأداء نتجاوز تفاصيلها. ختاماً نؤكد ما بدأنا به: الجامعة مؤسسة أعمال وليست مجرد صندوق أكاديمي مغلق نغدق عليه المال دون ربط ذلك بمنتجات ومخرجات واضحة. علينا الانفتاح على مناقشة الأفكار وتجاوز مخاوف التطوير.