إيمان حمود الشمري
أسير بالرواق الطويل المؤدي لمكتب الدكتور عبدالله القويز في شركة (دراية) ولم أكن على دراية أنني سألتقي بشخص خُلق لينطبع بالذاكرة لأنه رمز!!
المكتب البسيط الذي احتوى هذا الحوار لم يصدمني لأنني أعرف مسبقاً كيف يفكر أصحاب العقول، ولكي تكتشف الفجوة في مفهوم الثراء الحقيقي، شاهد حساب أحد المشاهير كي ترى حجم الاستعراض الفارغ.
الدكتور عبدالله القويز، ثراء فاحش من نوع آخر!! ثراء له علاقة بالمعلومات والثقة والمحطات المهمة والمسيرة الحافلة بالإنجازات.
رجل يطرح عدة استفهامات في إجاباته، يلهمك أسئله لم تكن ضمن خطة الإعداد، ولأنه لا يحب الإعلامي الذي يركز على السؤال أكثر من الجواب، اندمجت معه ونسيت الورق!!
وجهاً لوجه جلست معه، ومليون سؤال يدور برأسي، بادرته قائلة: لو لم أكن أعرفك كيف ستعرّف عن نفسك؟ أول كلمة قالها: أنا شايب.. عمري 86 ، لديه أبناء وأحفاد، سعيد بحياته وصحته وإنجازاته ووطنه، قلت: لماذا تؤكد دائماً على كلمة شايب؟ رد: لأنني شايب ومستمع بالشايب ولا أريد أن أرجع للوراء، ولو التقيت بعبدالله القويز ابن الـ 25 سنة لن أقدم له نصيحة لأنه يجب أن يخوض التجربة، لذا أنا لست متأسفا على أي قرار اتخذته حتى الخاطئ منه لأنني أتعلم.
حوار طويل سأختصره بسطور رغم أن القامات لا يليق بها الاختصار:
مر بمحطات كثيرة في حياته العملية وتعلم من الأشخاص الذين عمل معهم، وهذا التعلم قاده لمسيرة أقل درامتكية. كأي موظف تعرض لأعداء عمل وفساد.
زواجه من أهم المنعطفات بحياته، كانت أم طه خير مساعد ومستشار وأهم كيان في البيت.. فرقهما المرض... أخبروها أن أمامها ستة أشهر فقط، ولأنها امرأة قوية وحكيمة شاءت إرادة الله أن تبقى معهم أربع سنوات، ولكنها لم تستطع أن تصمد أكثر ففارقت الحياة لينكسر أهم عامود في البيت ويسبب فجوة كبيرة وخسارة للجميع.
بحكم العمر مر بأحداث كثيرة، ولم تعد ردود أفعاله تجاه أي أمر بشكل مبالغ، فالاهتمام بالأشياء يبقى قائماً، ولكن نزعة الانبساط بالأمور أقل تكلفاً، لم يعد يتفاعل ويقبل ما يأتي ويتعايش معه.
وفي سؤال طرحته عليه إن كان حقق كل ما يريد قال: لا أستطيع أن أقول إنني حققت كل ما أريد، لأن ما تريد يختلف بحسب المرحلة العمرية والنضج، فكلما أصل وأشعر بالملل ترتقي طموحاتي لأمر أكبر وهلم جره، فطبيعة الحياة تتغير وبالتالي الرغبات تتغير، ولا أعتبر نفسي انتهيت لأن دائماً أمامي هدف، حالياً لدي هدف الذهاب لأمريكا كي أصعد جبلاً هناك، ولدي أهداف في الكتابة وتذوق الفن ورؤية مجتمعات جديدة، وتعلم أشياء جديدة.
لجأ للرياضة قبل 30 سنة، سألته إن كان يعتبر الرياضة هروبا من ضغوط أو وحدة فقال:
لا أعتبر الرياضة هروبا من الضغوط، ولا أشعر بالوحدة، فلدي عائلتي وكتابي وأصحابي في جميع أنحاء العالم ولدي وسائل التواصل، ومندمج بالتطور والتكنولوجيا.
الدكتور عبدالله القويز 86 عاماً أعترَف أنه ما زال يخطئ ولا يوجد عمر يجعله معصوما من الخطأ ومازال هناك أشخاص ممكن أن ينخدع بهم ، لأن بحكم العمر أصبح قلبه أكثر رقة، ولكن بناءً على الخبرة يكتشف الخديعة بشكل أسرع.
واستطرد أن لا علاقة للعمر بالنضج فأنا أحياناً أرتاح مع الشباب وأتعلم منهم أكثر من جيلي، فكل ما لدى جيلي لدي، لذا هم يقولون أشياء أنا أعرفها بالأساس، وهذا ما يجعلني أسرق أصدقاء أبنائي.
حياتي عبارة عن عدة عوامل من الاجتهاد والحظ، والواسطة لم تنفعني يوماً ولا أؤمن بها ولا أعتمد عليها أو حتى على الحظ لأنه خسارة، يجب أن تأخذ المخاطرة خصوصاً بما تؤمن به.
عاصر أجيالا، وشهد رؤية 2030 التي قال عنها: محظوظون بقيادتنا الطموحة التي تتخذ قرارات صعبة، جعلت المملكة عبارة عن طاقة متجددة وحياة وتوثب وطموح جعلنا مستعدين لمواجهة كل العالم، ولكنني أعتب على المرأة التي تستخدم الحرية لمنافسة الرجل بطريقة منفرة!!
انتهى الحوار ولكن شغفي تجاه معرفة المزيد منه لم تنته..
أصر على أن يوصلني حتى المصعد وقال: أنا رجل دبلوماسي، اعتدت أن أودع ضيوفي بهذه الطريقة.
أُغلق باب المصعد ولكن باب التساؤل لم يغلق لدي!! فما زال للحديث بقية تستحق لقاء آخر.