سهوب بغدادي
عندما يأتي الطفل إلى هذه الحياة تقسم الأم على حبه وحمايته من كل شيء، ويبني الأب أحلامه وأيامه لتوفير كل ما يلزم طفله في حاضره ومستقبله، فسبحان لله على هذه الرحمة التي قذفت في القلوب في أيام ودقائق بل ثوانٍ بمجرد لمح محيا الطفل، ومع الأيام يبدأ هذا المحبوب بالاندماج في حياة الأبوين فيصبح تواجد الطفل أمرًا مفروغًا منه، ومن المسلمات، فتنقلب الآية هنا، فهذا المحبوب أصبح محبًّا بعد إغراقه بالمشاعر والاهتمام والرعاية، ليبادر بدوره ويحاول لفت وجذب وشد انتباه من أحبه قديمًا في محاولة للحصول على البعض من الكل، في خضم كل ذلك يباغت الأبوان الطفل بالنزاع والخصام والهجران، فكلما ارتفعت الأصوات تبدد إحساس الطفل بالأمان، وزاد شعوره بالذنب ظنًا منه أنه هو أساس المشكلة، فيكتئب بعض الأطفال، ويضطر البعض الآخر إلى تبني أساليب التكيف كأن يتحول إلى مهرج لتشتيت الانتباه عن النزاع القائم بين الأبوين، أو محاولة إرضاء الطرف الآخر على حساب نفسه وغيرها من الأساليب المعروفة في علم نفس النمو، فذلك الطفل هو ذات الشخص البالغ الذي لا يستطيع قول لا، وهو ذات الشخص المتمرد على مجتمعه، وهو من «يطقطق» عليه أقرانه في المجلس، وهي التي تضرب في بيت زوجها ولا تستطيع تركه على الرغم من لوم الجميع لها، وتمتد الأمثلة والحكايا المشابهة والغريبة في آنٍ واحد.
إن أسوأ ما يحدث للطفل بعدما يكبر ويحاول أن يلملم شتات الماضي أن يمتد دوره بأن يكون المصلح بين الأبوين في فترات حرجة ومفصلية، كفترة التقاعد، والانفصال-لاقدر الله- وزواج الأب على الأم -حماها الله- فالخصام والخلاف أمام الأطفال في السنوات الأولى من العمر يزعزع استقرارهم النفسي وشعورهم بالأمان المستقى من أصل تواجد الأبوين في حياة الطفل، فينشأ الطفل متربصًا مرتابًا معتلًا نفسيًّا مما شهده خلال تكوينه.
أما الخلاف في مرحلة بلوغ الأبناء فهي لا تخرج عن مواطن من أبرزها محاولة شيطنة أحد الطرفين وإلقاء اللوم عليه أو محاولة إقحام الابن والابنة في المشاكل لفض النزاع والضغط عليهم لأخذ صف أحدهما مهما كان موضوع الخلاف، فيبقى الأصل في البر والتعامل الطيب والإحسان لكليهما، مع تلمس احتياجات الطرف الضعيف في تلك الفترة ومعاونته بالحسنى واللين والمسايسة، في المقابل، على الشخص البالغ ألا يشارك مشاكله وهمومه مع الوالدين بشكل تفصيلي خاصةً في كبرهما، وحصر الأحاديث معهما في الأمور الإيجابية، وطلب الدعاء منهما في حال مواجهة صعوبات دون الخوض في تفاصيل محزنة.
في الختام، يسألونك عن الزواج، فتعرض عنه ليس بسبب ما سمعت عنه من أمور سلبية بل بسبب ما شهدته كمثال في بداية حياتك، فقد لا يريد الشخص أن يكرر ما عاشه مع أطفاله، وقد يتمنى العديد منهم تغيير ما كان، إلا أن الماضي لن يتغير وسيبقى لك الخيار في ملء خانتين للحاضر والمستقبل كيفما تشاء بما يرضي الله الرحيم، مع التصالح مع الماضي وفوق كل شيء الاستفادة من الدروس الماضية في حاضرك ومستقبلك، جعل الله أيامكم مفعمة بالسعادة والبر والرضا.