حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
المؤسس رجل من رجالات العالم وهو في ذاكرة العلم بطل من أبطال الوعي والمعرفة والتعليم والثقافة، والحضارة والمدنية، وقد اكتسب - طيب الله ثراه- بخبرته وذكائه بعض الثقافة والعلوم العصرية، وكان ذكياً في صغره، متفوقاً على لداته، يحب التاريخ والأمجاد والبطولات، أحب الموحد -رحمه الله - العلم وكان له ورد من القرآن يومياً يعلمه أبناءه، وقد أوصى ابنه (الملك) سعود - رحمه الله- بقوله: (احرص على العلم لأن الناس ليسوا بشيء إلا بالله ثم بالعلم) ومن أقواله في العلم.
اعلموا أن العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر وأن العلم كما يكون عوناً لصاحبه يكون عوناً عليه، فمن عمل به كان عوناً له، ومن لم يعمل به كان عوناً عليه، وليس من يعلم كمن لا يعلم، قليل من العلم يبارك فيه خير من كثير لا يبارك فيه، والبركة في العمل).
ولم يحب المؤسس العلم إلا دلالة على عبقريته ونبوغه والقدرة العقلية التي وصف بها، وللملك عبدالعزيز شخصية متحضرة آسرة ملهمة مشرقة، أبهرت زعماء التاريخ، وعقلاء العلوم، فوسموا شخصه بالعبقرية والذكاء والنبوغ، قال عنه المؤرخ الصيني البروفسور، «يانغ يان هونغ»: (لقد كان الملك عبدالعزيز أحد العباقرة الذين قدموا لأممهم وأوطانهم خدمات جليلة بجهودهم الجبارة التي لا تعرف الكلل أو المل) والعبقرية قرينة الالهام والنبوغ، وقد وصفه الدكتور فون دايزل النمساوي الذي زار المملكة العربية السعودية عام 1926م بالنابغة مستشهداً بقوله (إذا عرفتم أن ابن سعود نجح في تأليف امبراطورية تفوق مساحتها مجموع مساحات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا معا بعد أن كان زعيماً لا يقود في بادئ الأمر سوى عدد من الرجال تمكن بمساعدتهم من استرداد الرياض عاصمة أجداده لم يداخلكم الشك في أن هذا الرجل الذي يعمل هذا يحق له أن يسمى نابغة).
هذه الشخصية الآسرة العبقرية النابغة أحبت العلم فنشرته، والعلماء فقربتهم، واحترمتهم، وتحكى بعض الكتب التي عنيت بتعليم الملك عبدالعزيز أنه كان يحترم شيوخه ويقربهم ويحتويهم فالشيخ العالم الزاهد الفقيه عبدالله بن عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ - رحمة الله عليه- كان الموحد - رحمه الله- يقربه ويدنية ومن إجلاله لشيخه وتقديره له، أنه كان يتصبب عرقاً عند مقابلته احتراماًَ وتيجيلا كما نقلت الصحف السورية في 20 ذي القعدة 1354هـ من أخبار بغداد، أن الملك عبدالعزيز لما وصل إلى الكويت زائراً سمع أن معلماً له كان يقرأ عليه القرآن في أيام الطفولة موجود بها، فاستدعاه ولاطفه ومنحه ثلاثة آلاف روبية ويقول د. العثيمين في هذا: (فقد كان الملك عبدالعزيز يقدر العلماء ولا يخلو مجلسه منهم وكان منهم من يصحبه في تحركاته العسكرية، وكان يشجع طلاب العلم وفق إمكاناته المحدودة جداً وأما السؤال الصنو المرتبط بسابقة هو: من هم المشايخ الأعلام الذين لقنوا موحد المملكة الملك عبدالعزيز -طيب ثراه- أصول القراءة والكتابة، وقرأ على أيديهم القرآن الكريم حتى حفظه، أضف إلى ذلك أصول الفقه والتوحيد فهم يندرجون حول التسلسل التالي:
الشخصية الأولى: العالم الجليل الزاهد الفقيه قاضي السلمية عبدالله بن محمد بن عبدالله الخرجي.
ولد الموحد في الرياض وترعرع فيها ونهل من علمائها بعد أن عهد به والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود - رحمه الله- إلى القاضي عبدالله الخرجي لتعليمه القرآن الكريم، والقراءة والكتابة وذلك في السابعة من عمره، وقد ولد الشيخ في ضواحي الرياض، ونشأ نشأة حسنة، وحفظ القرآن في سن مبكرة، ثم طلب العلم بهمه ونشاط، ومن أبرز مشايخه الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، والشيخ حمد بن عتيق، والشيخ عبدالعزيز بن شلوان، والشيخ حمد بن معمر، حيث لازمهم ملازمة تامة، وبدت عليه مخايل الذكاء والنبل فاستحوذ على إعجابهم، وكان دائب القراءة والاطلاع، مجداً في طلب العلم، حفظ المتون، واستوعب الفنون حتى ارتقى لرتبة العلماء، جلس الشيخ عبدالله الخرجي للتدريس فالتف حوله كثير من الطلبة للاستفادة من علمه، والنهل من ورده، وتخرج على يديه طلاب عدة، وتلاميذ جمة، ومن أبرزهم مؤسس المملكة وموحد الجزيرة الملك عبدالعزيز - رحمه الله- وذلك إثر إقامة الشيخ في الرياض العامرة، وقد تلقى العلم على يد الشيخ الخرجي كل من الشيخ حسين ابن الشيخ حسن آل الشيخ، والشيخ صالح بن عبدالعزيز، فالشيخ الخرجي كانت تربطه علاقة قوية بالإمام فيصل بن تركي بن عبدالله آل سعود، وبأبنائه من بعده الإمام عبدالله، والإمام سعود، والإمام عبدالرحمن - رحم الله الجميع، وكان الشيخ الخرجي من العلماء الذين كانوا يختاورن لتعليم الصغار من أبناء آل سعود وآل الشيخ.
ومن تلامذته عبدالله الحجازي، وعبدالرحمن بن عبداللطيف والشاعر محمد بن عبدالله بن عثيمين.
الشخصية الثانية: الشيخ المقرئ محمد بن عبدالرحمن بن مصيبح ففي العاشرة من عمره وفي عام 1299هـ أرسل الإمام عبدالرحمن بن فيصل ابنه الملك عبدالعزيز ليتعلم على يد الشيخ ابن مصيبيح والذي كان حينها مشهوراً ويقصده الناس في تعليم أبنائهم وهي المدرسة الأولى وهي عبارة عن حجرات استخدمها الشيخ المصييح في تدريس طلابه، وهي كتاب من أعرق كتاتيب الرياض، وتقع في دخنة وهي واقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من مسجد الشيخ عبدالله المعروف في دخنه، وقد تخرج من هذه المدرسة العديد من أبناء الجيل السابق، ومن أشهر تلامذتها في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع عشر الهجري، أي ما يوافق أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلادي من أشهرهم الملك عبدالعزيز وأخوانه وكثير من أسرة آل سعود، وأشهر القائمين عليها الشيخ محمد بن مرحوم المعروف بالمصيبيح ثم خلفه عليها ابناه وهما: (عبدالرحمن وصالح)، وهي من أشهر المدارس وتعني بقراءة القرآن الكريم وتجويده وتعليم القراءة والكتابة، ولم تغلق هذه المدرسة أبوابها إلا بعد افتتاح المدارس النظامية قبيل عام 1370هـ.
الشخصية الثالثة: الشيخ العالم العلامة عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، جد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وأحد علماء الدعوة الإصلاحية النجدية، وهو من نهل المؤسس من معينه في علمي الفقه والتوحيد، حيث وضع له كراساً خاصاً به وردت ترجمته في كتاب: (مقاتل من الصحراء) وقد جاء فيها التالي: (هو عبدالله بن عبداللطيف ابن عبدالرحمن آل الشيخ فقيه خطيب من أهل نجد، ولد في الهفوف خلال إقامة والده المؤقتة للعمل في الأحساء عام 1265هـ، ورجع مع والده إلى الرياض، وتربي عند جدة لأمه الشيخ عبدالله بن أحمد الوهيبي وهو من العلماء الأجلاء، وتعلم على يد مشايخ الرياض، وأخذ عنهم العلم، وكان في مقتبل العمر عندما نشب الخلاف بين ابني فيصل بن تركي سافر الشيخ عبدالله إلى الأفلاج، وهناك تعلم الفروسية، ثم عاد إلى الرياض ليشغل مكان أبيه بناء على رغبة العلماء في ذلك واتصل بالإمام عبدالله بن فيصل ليكون بجانبه في الأحداث الجارية بين وبين أخيه سعود بن فيصل، لما كان يتمتع به من علم ورجاحة عقل وبعد نظر، وتبصر بعواقب الأمور، وتولى المسؤولية الجسيمة من الفتوى والتدريس والوعظ والإرشاد، وكانت له أوقات يلتقى فيها بالإمام عبدالله بن فيصل والإمام عبدالرحمن بن فيصل لتدبير شؤون الدولة، واتخاذ التدابير إزاء تمرد أبناء سعود بن فيصل واتقاء غارات أمير جبل شمر محمد بن عبدالله بن رشيد المتطلع إلى حكم نجد، ولهذا لعب الشيخ عبدالله بن عبداللطيف دوراً كبيراً في أحداث تلك الفترة العصيبة، وفي عام 1308هـ هاجم ابن رشيد عاصمة آل سعود وكان الإمام فيها عبدالرحمن الفيصل والد الملك عبدالعزيز فخرج له الشيخ عبدالله بن عبداللطيف ومعه الأمير الشاب عبدالعزيز بن عبدالرحمن لمفاوضة ابن رشيد على الصلح فتفاوضا وعاد ابن رشيد إلى حائل، وفي عام 1309هـ استولى محمد بن رشيد على الرياض.
وطلب من الشيخ عبدالله بن عبداللطيف أن يتوجه إلى حائل، واستقر بها فغمر الناس بعلمه وفضله، وخشى منه ابن رشيد فأعاده إلى الرياض، وشغل وقته بالتدريس، وبذله للناس، ولما استولى الملك عبدالعزيز على الرياض عام 1319هـ، وجد من الشيخ عبدالله العون والمساعدة في مهام الأمور، وتزوج الملك من ابنته طرفه وهي والدة الملك فيصل بن عبدالعزيز، وفي كنفه تعلم الفيصل وتربى، في سنواته الأولى، واستمر الشيخ يحمل لواء الدعوة والنصح والارشاد، وصار مرجع أهل نجد في أمور دينهم، وكان صداحاً بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم، كريم النفس، وكان الملك عبدالعزيز يقدره ويقول: أنه كان يتصبب عرقاً إذا قابله وذلك من إجلاله للشيخ وتوفي في 20 ربيع الأول عام 1339هـ) هؤلاء هم زمرة المشايخ الذين علموا الملك القرآن الكريم، وأصول الكتابة والقراءة، وشيناً من علمي التوحيد والفقه، وكان طيب الله ثراه حريصاً كل الحرص، مهتماً كل الاهتمام بتعليم نفسه وأعضاء أسرته، عن طريق الدروس اليومية التي كان يتلقاها في بيته وفي وحضره وسفره، وكان حريصاً على طبع الكتب الدينية لينشر العلم، ونعم المعرفة وعرف عنه- رحمه الله- اهتمام خاص بكتب الشيخ (ابن تيمية) وكتب العلوم الإسلامية المخطوطة، حيث أمر بطباعتها وتوزيعها، ويلغ ما طبعه منها نيف ومئة مجلد، كما طبعت على نفقته كتب كثيرة في الهند ومصر، ولم يذكر اسمه عليها، إلا ما جاء على بعض مطبوعاته في الهند من أنها (طبعت على نفقة من قصده الثواب من رب الأرباب) وهناك عشرات من كتب التفسير والحديث والتاريخ والأدب قديمة وحديثه، وجه بشراء مجموعات منها الصغير ومنها الكبير ووزعت على الناس مجاناً.
وكان قدس الله روحه له عناية بالصحف العربية لاسيّما المصرية ويقرأ ما يكتب عن بلاده بحصافة وتمعن، وترفع له قصاصات من صحف عربية ويتولى قلم الترجمة في ديوانه ترجمة المقالات الخاصة ببلاد العرب في الصحف الأجنبية مثل: التايمز وكذلك ما يكتب في الصحف الهندية عن الحجاز، وقد طرق جانب تعليم المؤسس في موسوعة مقاتل من الصحراء، وقد قرر الكتاب أمراً مهماً وهو: (من مزايا الملك عبدالعزيز الحميدة، اعترافه بأنه لم يتلق العلوم، ولم يرزق حظ الإحاطة بها، ويكرر ذلك في معظم المناسبات ويقول: (حنا .. نحن ما تعلمنا، فيجب على الذين تعلموا أن يساعدونا ويرشودنا، وكذا كان يعتذر عن أخطائه الكتابية إذا كتب بنفسه وكان يتكلم بالعامية النجدية، ولا يبالى بقواعد النحو والصرف ما دام يعرب عن قصده، وما دام أمره يفهم وينفذ، وكان أهل الحجاز ومصر والحجاج من بعض الأقطار العربية لا يكادون يستوعبون ما يقول، إذا خطب فيهم، لكثرة استخدامه الألفاظ النجدية الدارجة التي لم يألفوها).
وبعد:
كان الإمام عبد الرحمن في مرحلة صبا الموحد بجانبه وكان الإمام الوالد تقياً، حصيف الرأي، لا يعرف في الدين هواده، فنشأ الملك عبد العزيز على التقى والورع، ونما الجسد كما نما العقل بما تعلمه من معلميه، وما تلقاه من أبويه، وكان عبقري الفهم، حاد الذكاء، متوقد الذهن، حيث تعلم بالتوازي مع تعلم الفروسية، وامتطاء صهوة الخيل، والتفنن في استعمال السلاح وهو يرفل في صباه كما علم بظروف الحياة في تأزمها، وأحاط بما يدور حول والده من ظروف صعبة عصيبة، وتعلم على يديه باكورة العلوم السياسية، هذا ويعتبر خروجه من الرياض هو الحدث الأصعب في حياته فقد غادرها وهو في سن الـ12 عاماً، وقيل الـ15 عاماً، لبث خارجها سنين عدة، لكن همته ووجهته اليها حتى قاد ملاحم البطولة التاريخية منها وإليها لأكثر من ثلاثين عاماً وبعد حياة حافلة بالجهد والكفاح والعناء ترجل الفارس واشتاق لربه، كما اشتاق لأرضه وملكه حتى مكنه العزيز الحكيم من استرحاعها، وتوفى الصنديد الأكبر، نعم توفى الملك عيد العزيز بعد أن ترك سيرة طويلة ومسيرة ممتدة سجل فيها أعظم استرجاعها التحديات التاريخية والعلمية، وخلف إرثاً تعليمياً عظيماً عطراً، وهي هذه النهضة الحضارية العملية على حدٍ سواء، وهي التي عمت هذه البلاد الزاخرة التي نرفل بين أحضانها، ونترنم بين أفيائها، رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح الجنات.
مادة المقال مستقاة من:
- الملك عبدالعزيز شخصية أبهرت الكثير من المفكرين والمؤرخين في العالم.
- وكالة الأنباء السعودية 22-09-2022م
- رحمه الله عرفنا قدره بعد سنوات من وفاته.
د. سعود بن صالح بن مصيبيح جريدة الرياض عدد 15417- 30-9-1431هـ سبتمبر 2010م
- عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود قائد سياسي
د. أحمد محمد أبو عوض- منهل الثقافة التربوية 1-2-1441هـ
- حياة الملك عبدالعزيز في الكويت حتى استرداد الرياض ميرزا الخالدي - الشرق الأوسط
22 محرم 1442هـ - 10 سبتمبر 2020م عدد 15262
- كيف تعلم الملك عبدالعزيز؟
الاقتصادية 23 سبتمبر 2009م
- الأميرة سارة السديري والدة المؤسس منصور العساف - الرياض 8 شعبان 1436هـ 5 يونيو 2015م عدد 17147
- نورة بنت عبدالرحمن بن فيصل آل سعود مجلة دارة الملك عبدالعزيز
- نساء شهيرات من نجد د. دلال الحربي. ط دارة الملك عبدالعزيز 1419هـ 1998م
- مقاتل من الصحراء.
صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز ط. دار الساقي