د. فهد صالح عبدالله السلطان
المتتبع لما يجري على الساحة العلمية والعملية فيما يتعلَّق ببناء إستراتيجيات المنظمات ومتابعة أدائها يلاحظ أن هناك مبالغة في التركيز على مؤشرات الأداء الرئيسة ( KPIs ) والأداء الكمي والنتائج النهائية للمنظمة على حساب جودة الأداء بمفهومه الكلي، وكأن النتائج النهائية - مهما كانت أساليب تحقيقها - هي الدليل الأساس للنجاح الشمولي والمستدام للمنظمة.
وفي واقع الأمر فإن مؤشرات الأداء الرئيسة - وإن كانت مهمة لقياس أداء المنظمات- إلا أن التركيز عليها وحدها يتضمن كثيراً من المخاطر، في مقدمتها تحقيق نتائج وأهداف مرغوبة بواسطة وسائل وآليات غير مناسبة. وكأن «الغاية تبرر الوسيلة». فضلاً عن أن التركيز على مؤشرات الأداء الكمية وحدها دون الأخذ في الاعتبار آلية التنفيذ لن يحقق للمنظمة الاستمرار والاستقرار، وقد يكون على حساب النمو المطرد.. ذاك لأن التركيز عليها بشكل منفرد والابتهاج بتحقيق بعض النتائج يصرف الانتباه عن الاهتمام بالنموذج التشغيلي (TOM) والأداء الكلي للمنظمة والعمليات الإدارية Processes وصيانتها وتطويرها.
لعل من أخطر سلبيات الإغراق في مؤشرات الأداء الرئيسة هو تركيزها على الكم أكثر من الكيف وعلى النتائج (الفاعلية/Effectiveness) أكثر من الوسيلة (الكفاءة/Efficiency). الأمر الذي يفضي إلى المخاطرة بالنمو والاستمرارية.
ولذا فإن من المهم الأخذ في الاعتبار كل من الكفاية والفاعلية. وللتذكير فإن الفاعلية تعني عمل الأشياء الصحيحة بينما أن الكفاءة تعني عمل الأشياء بطريقة صحيحة.
مشكلة أساسية أخرى تلاحظ على استخدام مؤشرات الأداء الرئيسة وهي أنها غير موضوعية في كثير من الأحيان. فعندما يتم استخدام عدد قليل منها فإنها غالباً تكون انحيازية مما يؤدي إلى تضليل رؤساء المنظمات ومتخذي القرار. وعندما يتم استخدامها بكمية كبيرة فإن ذلك يفضي إلى إغراق العاملين بمقاييس عدة تثقل كواهلهم وتحد من قدراتهم وإنجازاتهم.
في كثير من الأحيان، فإن مؤشرات الأداء الرئيسة تبدو مضللة. فعلى سبيل المثال قد يكون تحقيق شركة ما نسبة عالية من الأرباح في سنة من السنوات خبراً سعيداً للملاَّك ويتباهى به الرؤساء التنفيذيون أمام أعضاء الجمعية العمومية الذين لا يدركون أن تلك الأرقام العالية قد تحققت على حساب سلامة الأجهزة أو سخط العاملين أو رداءة المنتج الذي سيؤول إلى سخط العملاء في وقت لاحق، والعزوف عن منتجات الشركة في قادم الأعوام، وبالتالي المخاطرة باستقرار المنظمة واستدامتها.
المزارعون الذين يعهدون بتشغيل مزارعهم إلى شركات أجنبية تركز على النتائج قصيرة المدى بصرف النظر عن وسائل الإنتاج (العمليات بلغة علم الإدارة) ربما ينتهي بهم المطاف إلى إصابة مزارعهم بأضرار بالغة الخطورة. فقد يستخدم المستثمر (المستأجر) مواد محظورة تساعد على إنتاج كميات عالية من الثمار على المدى القصير بينما تتضمن مضار خطيرة على التربة والأشجار وعلى المستهلك وعلى الملاَّك على المدى البعيد.
وبنفس اللغة يمكننا قراءة أداء بعض الأجهزة الأخرى في قطاعي الأعمال والحكومة.
الذي أردت أن أصل إليه هو أن الاهتمام بآلية وأسلوب العمل يجب أن لا يقل أهمية عن الاهتمام بتحقيق النتائج بل هو أولى بالرعاية، لأن ذلك يعطي مؤشرات حقيقية للصورة الكلية على المدى القصير والبعيد وعلى قدرة المنظمة على الاستمرار والنمو.
وباختصار فإنه على الرغم من توفر قناعة كبيرة - لدى الأكاديميين والممارسين - بأهمية مؤشرات الأداء الرئيسة وقدرتها على مساعدة المنظمات على تحقيق أهدافها إلا أنه يبدو أن الاستفادة منها تتوقف على مدى طريقة استخدامها وتوظيفها التوظيف الأمثل.
ولذا تنصح المنظمات التي ترغب في تحقيق نتائج إيجابية بجودة عالية وتكلفة مقبولة وآلية مشروعة بما يحقق استقرار وتنمية مستدامة أن تأخذ بالاعتبار ما يلي:
1- استخدام مؤشرات أداء كلية تأخذ في الاعتبار قياس النتائج ومنهج وآلية الأداء معاً.
2- التأكد من أن المنظمة تؤدي أعمالها باستخدام أدوات وإجراءات مناسبة وسليمة تحافظ على ممكناتها، وتساعد على استمراريتها واستدامتها.
3- مراعاة ألا يكون استخدام مؤشرات الأداء الرئيسة على حساب الجانب الإنساني للعاملين والنظر إليهم كآلات مهمتها فقط تحقيق منتجات محددة في وقت محدد وبكميات محددة.
4- الأخذ في الاعتبار كل من الكم والكيف عند القيام بقياس الأداء الكلي للمنظمة.
5- التأكد من أن النسبة الأعلى من عوائد المنظمة، وبما لا يقل عن 75 % تعود للنشاط الرئيس للشركة.
6- التأكد من أن الأهداف المنجزة تحققت في ظل رضا أصحاب المصلحة الداخليين والخارجيين.
7- الجمع بين استخدام الـKPs والـOKRs، حيث إن ذلك من شأنه أن يساهم في معالجة نقاط الضعف في الأولى وتعزيز مستوى الموضوعية في قياس النتائج وتطوير الأداء في المؤسسات العامة والخاصة.