للأسف وكما يرى الخبير النفسي الدكتور أكرم زيدان في كتابه (سيكولوجية المال) فإن سيكولوجية بعض الأفراد تقوم على النظر إلى الاستدانة بوصفها سلوكا عادياً إيجابياً لا يشعرون من خلاله بالخجل أو القلق، فيقومون بالاستدانة في كل وقت وحين، سواء تعرضوا لضغوط مالية أو لم يتعرضوا، غير مبالين بمتى وكيف يستطيعون سداد الدَيْن ورد حقوق الدائنين، حتى إنهم يتعجبون عند مطالبة الآخرين لهم بسداد الدَيْن.
وقد يبالغ الفرد في سلوك الدَيْن بسبب الشعور بالإحباط المادي الذي لا يقوى على تحمله أو مواجهة آثاره النفسية والاقتصادية والاجتماعية وعدم قدرته على إدارة الضغوط المالية التي يتعرض لها. مما يدفعه إلى الدَيْن الذي يرى أنه يحقق له وظيفتين أساسيتين: القضاء على الشعور بالحرمان إذ يلبي للفرد بعض حاجاته المادية، والمساعدة على الابتعاد عن المصدر الأساس للإحباط من خلال التفكير في كيفية سداد الدَيْن.
إن الفرد عادة ما يقع ضحية للديون عندما يكون مدفوعا بصورة مبالغ فيها لشراء الأشياء وتملك كل شيء، سواء كانت هذه الأشياء ضرورية أو غير ضرورية، يحتاج إليها أو لا يحتاج، تناسب إمكاناته المادية أو تعوق هذه الإمكانات. فهم أفراد مهووسون بالشراء ويعانون من جنون التسوق، كلما اشتهى الفرد منهم شيئا اشتراه بماله أو مال غيره، المهم أن يشتريه. وبطبيعة الحال يدفع هذا الهوس الفرد إلى استدانة كثير من المال.
والمهووسون بالشراء، إذ يشترون اليوم أشياء لا يحتاجون إليها، سوف يضطرون غدا - تحت وطأة الديون - إلى بيع أشياء قد يكونون في أشد الحاجة إليها.
إلى جانب ما سبق فأحيانا ما يستدين الفرد من أجل المسايرة الاجتماعية مع الأصدقاء والأقران المحيطين به، خاصة إذا كان الفرد من طبقة اجتماعية واقتصادية أقل من الطبقة التي ينتمي إليها أصدقاؤه وأقرانه. فسلوك الدين يحقق للفرد مطلبين أساسيين: القضاء على الشعور بالنقص والدونية، والحفاظ على عضوية الفرد في المجتمع.
ولذا, غالبا ما يكثر سلوك الدين بدافع المسايرة الاجتماعية من بداية المراهقة وحتى بداية مرحلة الرشد، ويندر أن تجده في مرحلة الرشد كنتيجة للمسايرة الاجتماعية. فهو في هذه المرحلة يكون مدفوعا بأسباب أخرى بعيدة من المسايرة الاجتماعية وتتصل مباشرة بأسباب اقتصادية ومالية لمواجهة الأزمات أو تدبير المصروفات اليومية في أوقات الشدة.
ومن هنا فقد وجد دافيس ولي- في دراسة لهما بعنوان: (اتجاهات الطلاب نحو الديون) أن الديون تكثر في الطبقات الفقيرة ذات الدخل المنخفض، وأوضحت الدراسة أيضا أن سلوك الدين يرتبط بالعمر، وأن اتجاهات الفرد نحو هذا السلوك تتغير وفق المرحلة العمرية التي يمر بها. ففي مرحلة الطفولة ينعدم سلوك الدين تماما حتى إن كثيرا من الأطفال لا يدركون معنى كلمة دين، لكن مع بداية مرحلة المراهقة يدرك الفرد معنى الديون وقد يتعامل بها ويمر بخبرتها.
ويشير الباحثان إلى أن سلوك الديون يزداد في المرحلة الجامعية، وأننا إذا أردنا أن نفهم ديناميات سلوك الدين فيجب أن نطبقه وفق نظرية دورة الحياة والنظرية السلوكية وذلك في ما يتصل بتغيير الاتجاهات.
ويرى لونت وليفينغستون في دراسة لهما بعنوان: (التفسيرات اليومية للديون الشخصية) أن وسائل الإعلام تمارس نوعاً من الضغط الإعلاني على سلوك المستهلكين فتدفعهم إلى المزيد من الشراء، فيضطرون تحت ضغط الحاجة والإغراء إلى الاستدانة لتلبية حاجاتهم.
باختصار: الدَيْن هو مظهر من مظاهر الضعف المالي والاستسلام لضغط الحاجة، وهو سلوك كثيراً ما يؤدي بصاحبه إلى العنت والإرهاق.