محمد سليمان العنقري
عالم المال والأعمال مليئ بالمغريات قبل أن تقتحمه فلا تروى لك إلا قصص النجاح وهو أمر جيد لأنه محفز لكنه أيضاً لا يعبر عن الواقع, فنجاح أي رجل أعمال واكبته تعثرات عديدة وتحديات لا حصر لها وهي من أكسبته الخبرة ليتدارك تلك المطبات ويتعامل معها بحرفية ويحولها لفرص, فالنجاح وليد الصدفة أو الذي يأتي بدون خبرات متنوعة يبقى قاصراً ولا يعطي صاحبه الأهلية للنصح أو ليكون قدوة في مجال الأعمال, وفي عالمنا اليوم توسعت التجارة وقنوات الاستثمار بشكل واسع جداً بل وأصبحت أكثر تعقيداً من السابق وظهرت أنشطة وقطاعات جديدة هي التي تستقطب الأموال كقطاع التكنولوجيا والأنشطة الخدمية الحديثة, فالاقتصاد الرقمي بات واقعاً وينمو بشكل متسارع ومن لم يوجه أعماله لمواكبة هذا التحول فسيخرج من السوق مع الزمن والذي لن يكون طويلاً نظراً للتسارع الكبير بالتقدم التقني بالعالم.
وفي المملكة تتعزز الاتجاهات نحو الرقمنة بشكل كبير وظهر هذا التطور مع جائحة كورونا من خلال التعليم عن بعد وكذلك تقديم الكثير من الخدمات عبر التقنية وهو ما شجع على زيادة الاستثمارات فيها خصوصاً مع طبيعة الاقتصاد الوطني التي تتوسع بمجالات عديدة بعد رؤية 2030 والتي تعتمد جلها على استخدام التقنيات الحديثة, فالتنوع بالقاعدة الاستثمارية للاقتصاد السعودي أصبح كبيراً وإذا أخذنا السوق المالية كنموذج فقد أصبحت تتسم بالعمق والتنوع الكبير بالفرص وهو ماجذب لها استثمارات ضخمة فقد وصلت أحجام الاستثمار الأجنبي الى 273 مليار ريال بينما زاد عدد المشتركين بالصناديق الاستثمارية لدى المؤسسات المالية المرخصة بنسبة 53بالمائة خلال عام ليتجاوز عددهم 790 ألف مشترك مما يدلل على زيادة جاذبية الفرص الاستثمارية بالسوق الذي تصل قيمته ما يقارب الـ 11 تريليون ريال, لكن العبرة هي في كيفية الاستفادة من الفرص بالسوق, فالاستثمار المتوسط والطويل الأمد هو الخيار الأنسب خصوصاً مع التوقعات الإيجابية لنمو الاقتصاد الوطني في السنوات القادمة, أما المضاربات فرغم أنها تسمى ملح السوق لكنها تعرض ممتهنيها للمخاطر بنسب عالية قياساً بالاستثمار لسنوات, ولا يقتصر الأمر على السوق المالية فقطاعات عديدة تنشط حالياً مثل الصناعة وما يقدم لها من تحفيز كبير وواسع وذلك لزيادة الصادرات المحلية غير النفطية وتلبية الطلب المحلي لتقليل الواردات وزيادة المحتوى المحلي مما يزيد من العرض ويساهم بتنوع الخيارات بالسوق ويحد من التضخم مع الزمن لأن التكاليف ستنخفض بزيادة الإنتاج المحلي, ولا يختلف الأمر ببالنسبة لأنشطة كالسياحة والترفيه فجميعها توفر فرصاً ذهبية للاستثمار وتحتاج فقط لمن يدرسها بعناية ويستفيد من الأنظمة التي تساعده على نجاح مشروعه مع ضرورة التحوط والتعلم دائماً, فطريق النجاح ليس مفروشاً بالورود لكن تذليل العقبات عامل مساعد على تجاوز التحديات, لذلك العبء الأكبر هو على رائد الأعمال للوصول لهدفه من استثماره فالتغيرات المتسارعة بطبيعة الأعمال تحتم عدم النظر للتقليدية التي كانت تسودها سابقاً فحتى في القطاع العقاري الضخم جداً هناك متغيرات كبيرة حدثت فيه بطبيعة الأنظمة والتشريعات والمحفزات والتوجهات والأفكار الحديثة, سواء بالتطوير السكني أو التجاري ومن لا يواكبها لن يستطيع البقاء بين المتنافسين بالسوق بالإضافة لظهور الحاجة لخدمات عارية عديدة والتي تعتبر أنشطة حديثة من حيث تطورها بسوقنا بمجال التسويق والإدارة والتمويل.
في السوق إذا لم تربح فإنك ستتعلم ولكن الأهم أن توظف ربحك بالشكل الصحيح وأن تستفيد مما تعلمته بالحد من المخاطر التي تواجه أي منشأة وكذلك التغلب على التحديات, فإذا لم تعايش دورات الاقتصاد الصاعدة والهابطة والظروف المتعددة التي تؤثر فيه فإنك لن تكتسب الخبرة الحقيقية, فمن عايش دورات النمو قد تخدره سهولة الأرباح ويتفاجأ بتغير ظروف السوق فيكون أول الخاسرين والخارجين منه لأنه سينكر الواقع الجديد, لذلك يجب على كل من في السوق تذكر أن للأسواق أوجهاً عديدة وكل منها يظهر بعوامل متغيرة فهذه طبيعة الأعمال والاقتصاد في كل العالم والتكيف معها هو المحك الحقيقي للاستمرار والنمو والتعلم.