د. عبدالحق عزوزي
حصل لي شرف زيارة معرض ومتحف السيرة النبوية والحضارة الإسلامية بمقر الإيسيسكو، منذ أيام بمعية المستشار والوزير محمد القباج. وكم كانت سعادتي ونحن نجول في رحاب هذا المعرض الذي لا مثيل له وتحس وكأن هناك نوراً يتجلى في كل أقسام هذا المعرض التفاعلي؛ وتشعر براحة وسكينة تخترق أعماقك بأمان؛ كيف لا والمغاربة بل وكل المسلمين ما فتئوا عبر العصور يوظفون لغات وأساليب زكية وأشعاراً راقية وتعابير بديعة للتعبير عن حبهم للرسول المصطفى محمد- صلى الله عليه وسلم-...
ونحن نعلم أن المديح النبوي في شعرنا المغربي قديماً قد ظهر بعناية الشعراء واستأثر باهتمامهم، فأكبوا على معالجته والإكثار من القول فيه حتى أصبح من الثراء والغزارة بحيث يسترعي انتباه الخاص والعام...
ومنذ بزوغ الإسلام أقبل الأدباء والشعراء على مدح خير البرية عليه- الصلاة والسلام- بأبهى الأوصاف، وأحسن العبارات، وأجمل الأساليب، وأرقى الصور، فنظموا قصائد في غاية من الروعة والجمال، وهي كثيرة جداً، فقلما تجد عالماً أو أديباً أو شاعراً إلا وساهم في مدحه- صلى الله عليه وسلم-، بالقصائد الجميلة الرائعة؛ المعبرة عن العواطف الدينية، الصادرة عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص...
ومعرض ومتحف السيرة النبوية والحضارة الإسلامية بمقر الإيسيسكو هو لون آخر من الاجتهادات البشرية في مدح النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- واستحضار سيرته العطرة ووسطيته واعتداله، ويتعدى من حيث ضغطه على التاريخ وما يرسم على مسيله ومجراه من طابع التأثير الذي يحدث التغيير، ما يمكن أن يأتي به الشعراء، لأنه لا يكتفي فقط بجمع شمائل المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وصفاته الخلقية والخلقية والتعبير عن العواطف الجياشة، وإنما يقربك هذا المعرض من حياة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- منذ ولادته إلى وفاته بطريقة ذكية وتفاعلية وغنية بالدروس والدلالات وبصورة مختلفة عما تقرأه في الأشعار وفي الكتب وتشاهده في التلفاز...
ومما يضفي على هذا المعرض طابعاً خاصاً، لكونه لأول مرة ينتقل فيه خارج المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وينظم بشراكة بين الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء ورابطة العالم الإسلامي، تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، وهذا مما يزيد طبعاً من وشائج الصلات بين الشقيقتين المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية، وبين البلدين نستحضر شعراً قاله العرب القدامى
وأحبها وتحبني
ويحب ناقتها بعيري
وأحيي هنا الدور الكبير الذي يقوم به أخونا الأستاذ سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، لإنجاح هذا المعرض، وغيرها من الإنجازات الرائدة والفريدة التي مأسسها في الإيسيسكو، وهي قائمة اليوم على أصول لا تحور ولا تحول...
وينقسم هذا المعرض الرقمي التفاعلي إلى 19 قسماً؛ الأول (قسم النبي- صلى الله عليه وسلم- كأنك تراه)، ثم (قسم النبي- صلى الله عليه وسلم- كأنك معه)، و(قسم محطات الحياة النبوية)، و(المتحف النبوي)، و(الفضائل والشمائل)، و(آل البيت)، و(الحجرة الشريفة)، و(الروائع والبدائع من حب وذوق واحترام)، و(المرأة والطفل)، و(البلدان التي حلّ بها النبي- صلى الله عليه وسلم-)، و(روائع السنة وفنون الخط العربي)، و(علماء المغرب عبر التاريخ ودورهم في خدمة القرآن والسنة)، و(الحج والعمرة)، و(مكة المكرمة)، و(المدينة المنورة، و(عمارة الحرمين عبر التاريخ)، و(وثيقة مكة المكرمة)، و(قسم السينما)، فقسم (الإصدارات والتحف والهدايا التذكارية).
ويصل عدد الشاشات التفاعلية المستخدمة في هذا المعرض 50 شاشة، تعرض محتويات باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، كما يعتمد المتحف تقنيات التصوير التجسيمي والواقع الافتراضي والواقع المعزز وشاشات العرض ثلاثيّ الأبعاد وغيرها.
ولا يختلف اثنان على أن الإيسيسكو، نجحت من خلال هذا المعرض في تقديم رسالة الإسلام ممثلة في العدل والسلام والرحمة والتسامح والتعايش والاعتدال، اعتماداً على القرآن الكريم والسنة الشريفة والتاريخ الإسلامي المضيء، بأحدث التقنيات التي تجعل الزائر يعيش أبعاد السيرة النبوية والمشاهد والآثار التاريخية وكأنه في قلب الحدث).
ويكفي فخراً منظمي معرض ومتحف السيرة النبوية والحضارة الإسلامية أن عدد زوار المعرض، إلى حدود كتابة هاته الأسطر، على وشك أن يتجاوز مليونين، وبنهاية السنة، سيتجاوز عدد زوار المعرض عدد زوار المتاحف الدولية الكبرى في باريس وغيرها.
ويزور المعرض مغاربة وأجانب من كل الجنسيات، وأطفال ونساء وشباب ورجال، ومفكرون وأكاديميون ومؤرخون وتجار ورجالات دولة وأناس عاديون... وكلهم يجدون في المعرض الرحاب التي تسكن إليها أرواحهم ويطمئنون فيها، فألف ألف شكر وألف ألف تحية وتقدير لكل المنظمين.