د. محمد بن صقر
اهتمت مراكز التفكير العالمية والعربية على اختلاف أدائها وقدرتها في التأثير في اتخاذ القرار أو مساعدة في اتخاذ القرار بالجانب الإستراتيجي والتخطيط وبناء السيناريوهات ومحاولة لفهم اتجاهات الحراك السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي وكانت برامجها موجهة بشكل كبير للنخبة فهي تخاطب بشكل أساسي صناع القرار ومهندسي القرارات وتحاول جاهدة مناقشة النتائج والتعامل معها أكثر منها معرفة الأسباب وتغييرها, وهذا ما جعلها تفتقد للثقة وكذلك للدقة في كثير من أطروحاتها لكن ما ينقص هذه المراكز كذلك هو اعتمادها على قراءة سلوك الجماهير وتحليل السياسات أكثر منها بناء برامج تخاطب فيها الجماهير وتبني تجارب للقرارات ومشاريع تستطيع منها معرفة الاتجاهات والميول وطرق التفكير وبالتالي الاستشراف المبني على الأدلة والبراهين غير القابلة للمراهنات الاستشرافية الخاسرة, فهذه المراكز لم تستطع كسب ثقة الجماهير، بسبب عدم وجود منتجات خاصة بالجماهير بهم وعدم الاكتراث لهم بشكل أساسي ناهيك عن أن الأمر يتطلب تغيير بوصلة بعض هذه المراكز لتكون أكثر إنتاجية وفاعلية وتستطيع أن تصيغ برامج ومشاريع سياسية تخدم متخذي القرار وتكون مبنية على تجارب ومحاكاة الجماهير ومشاركتهم تفكيرهم وقراراتهم أكثر منها استطلاعات رأي قد تتغير مع أمواج رياح عاتية تكون مصنوعة بحرفية عبر وسائل الإعلام أو غيرها من مؤثرات التغيير فللأسف- ما يمارس من مراكز التفكير هو الابتعاد عن الجماهير وخلق فجوة، فلا تستطيع أن تكسب الجماهير أو أن تشخص الواقع وتعرف الأسباب وتقدم الحلول، كما أنها لا تستطيع أن تقود التغيير المطلوب، أو أنها تواكب تطلعات صناع القرار، فهي أشبه بعيادات صحية، لا تقدم إلا أدوية مستوردة من أشخاص يلبسون أدوات الأطباء فقط، فالطبيب الذي يصنع الدواء أكثر قيمة من الطبيب الذي يصرف الدواء.
إن المنتجات التي لابد أن تكون أذرع مراكز التفكير تتمثل في الجوانب الرياضية والاجتماعية والاقتصادية والترفيهية والتعليمية والتدريبية والاقتصادية والمنظمات غير الربحية وأن لا يكتفى بأعداد استطلاعات رأي فهناك آراء واتجاهات لا يمكن قياسها أو معرفتها إلا من خلال السلوك الفعلي للجماهير فعلى سبيل المثال فشلت استطلاعات الرأي العام ومراكز التفكير في التنبؤ بفوز هيلاري كلينتون بالانتخابات مع ترامب كذلك بعض مراكز التحليل والاستطلاعات الإعلامية فشلت في معرفة الناخبين الكويتيين الذين انتخبوا لمجلس الأمة واعتمدوا على تحليلات إعلامية أكثر منها منهجية ومعرفية فهذه المراكز بعيدة عن ما يدور في ذهن الناخب أو تطلعاته وتعتمد بتحليلاتها على السياقات الإعلامية الناقصة فأعتقد أن الوقت حان لاستثمار مراكز التفكير لتكون أكثر فاعلية من خلال بناء معايير يمكن من خلالها صناعة تشريعات ودعم اتخاذ القرارات الخارجة من رحم احتياجات الجماهير فمن خلال المنتجات المتنوعة يمكن للمراكز إقناع الجماهير بمشاريع وحشد التأييد لها، كذلك لابد لمراكز التفكير القدرة على إنتاج معرفةٍ جديدةٍ أو تطويرها، وابتكار مقترحاتٍ ومبادرات نوعية، أو طرح أفكارٍ بديلةٍ، وبناء سيناريوهات محتملة من شأنها زيادة مكينة الأفكار الجديدة من منظور جماهيري وأن تتغير البوصلة من الجوانب الأكاديمية التنظيرية البحتة إلى القدرة على ردم الهُوّة بين المجتمعات الأكاديمية وصنّاع القرار وأيضاً الجماهير.