شارك رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك بتاريخ 7-6-2023م بمحاضرة في جامعة نايف ضمن الندوة العلمية (دور الإعلام في مواجهة المخدرات)، وكان عنوان المحاضرة (وسائل المنصات الرقمية وأثرها في توعية المجتمع)..
فيما يلي نص المحاضرة:
لم يكن العدوان على المملكة بالمخدرات وليد اللحظة، أو في هذه السنة التي تُكثّف فيها حملات التوعية بناءً على التوجيه الكريم من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وإنما هو عدوان يعود إلى سنوات ماضية، وكان يتم الحديث عن هذه الآفة على استحياء، وإن جاز لي القول فإنه كان يتم التعامل معه بالسرية والتكتم، بما يشبه إنكار وجوده بالمملكة.
* *
ولأول مرة تم الإفصاح عن حالات كثيرة ومنتشرة في المملكة - على ما أذكر- حين كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولياً للعهد، فقد صادف أن قام بزيارة للكويت، وبدلاً من أن يعود مباشرة إلى الرياض بعد انتهاء زيارته، فضّل أن تكون عودته بعد زيارة للعراق يجري خلالها مباحثات مع الرئيس العراقي لساعات في مطار بغداد أثناء الحرب العراقية - الإيرانية التي امتدت لثماني سنوات، وخلال تلك الرحلة الجوية بين الكويت والعراق، وكنا رؤساء التحرير مرافقين له، استدعانا إلى الجزء الذي يجلس فيه من جسم الطائرة، وتحدث لنا عن استغرابه من تجاهل الصحافة للمخدرات، وعدم تطرقها لأي حديث عنها رغم توسّع انتشارها بالمملكة، متسائلاً عن الأسباب.
* *
وأذكر أنه تحدث عن تجربة له شخصياً لم يوفق في معالجتها عن حالة لأحد المدمنين ممن كان والده يعمل في قصره، وأن هذه الحالة عرّفته على وجود حالات مماثلة في مدارس البنين والبنات، وطالبنا نحن رؤساء التحرير قبل أن تحط بنا الطائرة في مطار بغداد بالاهتمام والتوعية، لما يمثله تعاطي المخدرات والإدمان عليها وتهريبها من خطورة على مواطني المملكة، وامتداداً على مواطني دول الجوار.
* *
ولم تسمح الفترة القصيرة لرحلة الطائرة بين مطاري الكويت وبغداد بالمزيد من الحديث، لكنه تساءل أكثر من مرة عن سبب عدم اهتمام الصحف بهذا الموضوع، وحين عرف أن الصحف كانت تنأى بنفسها عن أي كلام يفهم منه وجود حالات تعاطٍ كثيرة للمخدرات بين الشباب والشابات، وأنه لا توجد أي توجيهات من المسؤولين لوضع هذا الموضوع موضع الاهتمام لدى الصحف، وجّه آنذاك بأن تكون الصحف حاضرة في مناقشة خطورة المخدرات، وعدم التزام الصمت، بينما تزداد الحالات، وتتعاظم خطورتها.
* *
ومن يومها خرجت الصحف عن صمتها، وبدأت تكتب عن المخدرات بكل أنواعها، وعن مهربيها، ومتعاطيها، والمتاجرين بها، لكن ذلك لم يكن وفق حملات إعلامية مدروسة، ولم تأخذ طابع الاستمرار، وظل تأثيرها محدوداً نسبة إلى افتقارها إلى التنظيم المؤسساتي الذي تقوم به الجهات ضد التنظيمات التي تستهدف مواطني المملكة، في أخطر عدوان يتم التخطيط له على مستويات عالية في أكثر من دولة، ما يجعل ما يجري الآن في التصدي له وبكل الحزم، والعمل الاحترافي الذي يتم، شأناً لا تراجع عنه، ولا تساهل مع من يريد الإضرار بنا، بحثاً عن المال القذر، أياً كان مصدر هذا الفعل القبيح، أو فاعله.
* *
وما يجري منذ صدور توجيه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان من تنظيم حملات مداهمات، وتوعية في كل وسائل الإعلام، بمشاركة أعداد كبيرة من الكتاب والمغردين والمشاهير وغيرهم، وبعمل مهني عالي المستوى، إنما يمثل نقلة نوعية وتحولاً في مواجهة ومكافحة انتشار المخدرات وكشف خفايا المروجين، والعمل على طرح الكثير من الأفكار التي تصب في تمكين الناس من الوقاية من المخدرات، ومنع تفشيها في المجتمع، من خلال برامج توعوية تساعد على منع أفراد المجتمع من تعاطيها.
* *
أذكر أن هناك لجنة كانت تابعة للمديرية العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية باسم (اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات) وكانت تضم مجموعة من المواطنين المتعاونين في تخصصات مختلفة، وتمنحهم اللجنة صفة (سفير المشروع الوطني للوقاية من المخدرات «نبراس») وكنت أحد هؤلاء، وكان لها معرض جميل يحتوي على قصص ووثائق عن أساليب التهريب، والشهداء الذين فدوا بأرواحهم، ولا أدري ما إذا كانت اللجنة لا تزال قائمة بمثل ما كانت عليه، وأن المعرض موجود، غير أنها كانت محاولة جيدة، وتحتاج الآن إلى تفعيل وتطوير دورها ضمن الجهد الذي يبذل لمواجهة أشرس معركة ضد عدوان يستهدف المملكة.
* *
هذه مقدمة أسبق بها ورقتي بعنوان (وسائل المنصات الرقمية وأثرها في توعية المجتمع) بحسب ما اقترحته اللجنة العلمية في جامعة الأمير نايف لتكون ضمن محاور الندوة العلمية بعنوان (دور الإعلام في مواجهة المخدرات), وقد قصدت بها التذكير عن شيء من مسلسل الرحلة التدميرية لشباب وشابات المملكة باستهدافهم بالإغراءات لتعاطي المخدرات، والإدمان عليها، في ممارسات جبانة، وعمل دنيئ وبلا أخلاق، أو إنسانية.
* *
في موضوع ورقتي عن (وسائل المنصات الرقمية وأثرها في توعية المجتمع) هناك أثران، أحدهما يمكن وصفه بأنه أثر إيجابي، والآخر أثره سلبيٌّ، وينبغي استثمار هذه المنصات استثماراً يصب في خانة الإيجابيات، والعمل على الحد من سلبياتها، خدمة لمشروع التصدي للمخدرات، ومحاربتها بكل الوسائل والطرق، دون تهاون، أو تراجع، أو يأس، فالمعركة طويلة، والعدوان مستمر، وموقفنا الحازم من المهربين حق مشروع، ولا تنازل عنه.
* *
أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يُسمى بالمنصات الرقمية أنها متاحة للجميع، دون حواجز، أو رقابة، واستخدامها لا يقتصر على فئة دون أخرى، ولا على جنس دون آخر، وهي مع تعدد أسمائها ووظائفها، وبجميع مواقعها من سناب شات، وإنستقرام، إلى تويتر، وفيس بوك، وتيك توك، إلى غيرها، كلها مهمة، وينبغي استثمارها وتوظيفها في خدمة الحملة الجادة والحازمة ضد المهربين من جهة، وعلى التوعية بخطورة المخدرات من جهة أخرى، علماً بأن تأثير السوشال ميديا قوي في أفراد المجتمع، وإيجابياته كثيرة، لكن يجب عدم تجاهل سلبياته، وضرورة الحذر منها، وتطويعها لما هو أفضل، فهي مهمة بدليل أثرها الإيجابي الكبير خلال جائحة كورونا، وفي الانتخابات في كثير من الدول.
* *
صحيح أن المخدرات ليست حالة استثنائية محصورة في المملكة، بل إنها مشكلة تعاني منها أغلب دول العالم على نطاق واسع، لكن هناك تعاوناً بين المملكة والدول لمحاصرة من يروّج لها من خلال وسائل المنصات الرقمية، وبالتأكيد فهذه مشكلة مقلقة وخطيرة، كون تعاطي المخدرات بأنواعها بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية يمثِّل أهم عوامل الخطر للوفيات والإعاقة على مستوى العالم، وأن عدد الوفيات السنوية يصل إلى مليوني ونصف المليون إنسان أغلبهم من الشباب والشابات، وهو ما يستدعي من وسائل الإعلام، بما فيها المنصات الرقمية، وكل وسائل الإعلام الحديث أن تتوسع في نشر التوعية في صفوف الشباب والشابات، ومخاطبتهم بأضرارها، وأهمية الوقاية منها.
* *
هناك آثار سلبية على حياة أفراد المجتمع صحية ونفسية، بفعل تعاطي المخدرات، تصل إلى حد الإعاقة العقلية والجسمية، وقد تعجز المصحات والمراكز الطبية عن إعادة التأهيل لمن يتعاطى المخدرات، خاصة إذا وصل متعاطيها إلى حد الإدمان، وظهرت عليه مؤشرات لتردي حالته الصحية إلى درجة العجز عن إعادة الحياة لما تم تلفه في جسم المتعاطي للمخدرات، وهذا يجعل من المنصات الرقمية بعد أكثر من عقدين من بدء انتشارها ساحة مهمة للتوعية على نحو يجعل من يتعاطى المخدرات أن عليه أن يكون حذراً من الاستمرار في ذلك، وأن على المروّج أن يكون على علم بأنه تحت أنظار ومراقبة الجميع، وبالتالي تحت طائلة العقاب المشدد.
* *
وإذا سلّمنا بأن المنصات الرقمية ضمن كل وسائل الإعلام يمكن أن تلعب دوراً مهماً، وأن تساهم في مواجهة ظاهرة الإدمان في تعاطي المخدرات، أدركنا أنها ذات دور إسهامي كبير، وهذا يقودنا إلى القول بأن أفضل فرص نجاح تحققه المنصات الرقمية حين ظهور مثل حالة المخدرات، وانتشارها في الأوساط الشبابية ليأتي دورها، بوصفها إحدى الكوارث التي تمس حياة الناس، ما يعني أن لدى الجميع القدرة والفرصة المتاحة للمشاركة من خلال المنصات الرقمية بمناقشة هذه المشكلة، والتحذير من خطورتها، وتوعية الشباب والمراهقين من أن نهاية من يتعاطى المخدرات إما الموت، أو فقدان العقل، أو الانهيار النفسي، أو البقاء على هامش الحياة، دون أي قيمة أو تأثير إيجابي في المجتمع.
* *
سهولة التواصل مع الآخر من خلال المنصات الرقمية، وانتشارها على نطاق واسع على مستوى العالم، وما تبين من أن سبعة من كل عشرة أشخاص يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيسبوك، وتويتر، وانستقرام، وفقاً لدراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية، يقودنا هذا إلى القول بأهمية التركيز على هذه المنصات في الحملة التي تقوم بها الجهات المختصة في تتبع مسارات محاولات التهريب والترويج والتعاطي للمخدرات في المملكة وبين مواطنيها، بدلا من السماح للمجرمين باستخدامها وتركها لصالح جرائمهم.
* *
وإذا ما تحدثنا عن أثر وسائل المنصات الرقمية في توعية المجتمع، وركزنا على دورها في مواجهة المخدرات تحديداً جاز لنا القول، إن هناك فوائد كثيرة تتحقق باستخدام هذه المنصات الرقمية، فهي تمكّن المسؤول من الوصول إلى من يستخدمها، أي إلى الشريحة التي يستهدفها، وأعني بها من يتعاطى المخدرات، فتتم التوعية، وإثراء هذه المنصات بكل ما يخدم هذا الهدف، نظراً للوقت الطويل الذي يقضيه أفراد المجتمع في متابعتهم لهذه المنصات، وتأثرهم وتفاعلهم بمحتواها، بما في ذلك التحذير من الترويج للمخدرات، وتعريف الناس اتجاهات ومسارات ما يتعلق بهذه الآفة.
* *
لقد ساعدت منصات التواصل على تقديم خدمات سهلة الاستخدام على نطاق واسع، ما جعلها مؤهلة لخدمة مشروع مكافحة المخدرات، خاصة وأن لكل واحدة منها خصائصها التي تنفرد بها، ما جعل منها كلها منصات لا غنى عنها في عزل كل المؤثرات والإغراءات التي قد تُورِّطُ الشباب والشابات في تعاطي المخدرات، وكل ما قد ينطوي على ذلك من محاولات خادعة لدفعهم نحو الاستسلام، مبتعدين عن الوعي والخوف، ومن تبعات نتائج استمرائهم للعلاقة مع المروّجين.
* *
والمنصات الرقمية كأي وسائل إعلامية أخرى تلعب دوراً مهماً في مكافحة جرائم الإتجار بالمخدرات، أو تهريبها، أو تعاطيها، ويمتد دورها المهم كونها مصدراً للمعلومات وتوعية الناس بأخطارها، ومنصة لتسليط الضوء على الجوانب المهمة في هذا النشاط، وتصدي أفراد القطاعات المعنية للتحديات التي يواجهونها في تصديهم لهذه الجريمة، وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى مساندة من البيت والمدرسة والمجتمع ككل، ليكون في هذا التكامل القوة القادرة على تطويق المشكلة، والتغلب عليها، خاصة مع ازدياد التفاعل مع المنصات الرقمية، وقدرة المتعاملين معها في تقديم محتوى جاذب وقادر على التأثير في عقول متابعيها.
* *
لقد أصبحت وسائل الإعلام الحديثة بمثابة وسيط يوفر لمتابعيها إمكانية الحصول على أي معلومات، بما فيها التفاصيل عن المخدرات، باعتبارها ممارسات إجرامية، وصولاً إلى مواقف تضامنية من المجتمع تكون داعمة بقوة ضد المخدرات، لاسيما إذا كان المحتوى من الجودة بدرجة يمكن أن تكون لديه القدرة على توعية الناس، وتثقيفهم، وإقناعهم بخطورة جريمة المخدرات، وما ينتج عنها من آثار سلبية على صحة المدمنين، ما يجعل من هذه المنصات فرصة متاحة للمعنيين بالأمر باستخدامهم لها لتقليل المخاطر، والحد من تزايد أعداد المتعاطين لهذه المواد السامة، بأمل أن تكون المجتمعات أكثر تحصيناً وسلامة وأمناً.
* *
على أن الاستفادة الإيجابية من مواقع التواصل الاجتماعي لا يعني خلوها من السلبيات، ومن وجود معلومات تصب في خانة الجريمة المنظمة لانتشار المخدرات، وهو ما يعني - ضمن ما يعنيه - العمل على توجيه وتثقيف متابعيها، ووضعهم في أجواء هذه الجرائم الإلكترونية، وكيفية حمايتهم من تأثيرها ومخاطرها على سلوكهم، وتقديم المساندة لكل من يعاني من الإدمان، لا النظر إليهم بوصفهم أشخاصاً مجرمين، والتعامل معهم بسخرية وازدراء، وعدم تقبلهم في المجتمع وبين أفراد أسرهم، بينما هناك فرصة لمعالجتهم، خاصة وأن هناك حالات كثيرة نجحت الجهود في تعافيهم مما كانوا فيه من وضع لا يحسدون عليه.
* *
من المهم أن تكون الحملة ضد المخدرات في حالة استمرار دائمة، وأن تتنوع الأساليب والأفكار، نحو التعامل مع المتعاطين لهذه المواد المخدرة، والكيفية التي يتم بها علاجهم، وحث أفراد المجتمع للتضامن مع ما تقوم به وسائل المنصات الرقمية من عمل ودعمه، لتواصل دورها في التصدي لخطر إدمان المخدرات والحد منه، حماية للناس من أخطار آفة المخدرات وإدمانها بكل أشكاله وأنواعه، ما يعني الاهتمام بالمحتوى، والتركيز في تقديم ما يناسب كل فئة عمرية من الرسائل الإعلامية بحسب كل فئة منهم.
ولتفعيل هذا الجهد الذي تقوم به الجهات المسؤولة، على كل الجبهات، ما كان منه سابقاً وحتى الآن، وما سيكون مستقبلاً -وهو جهد مقدر ومشكور- فإن التوسّع في هذا الجهد، وتنويعه، بأفكار جديدة، وآليات عمل إضافية، ربما اقتضى من المعنيين الاستعانة بالخبراء الإعلاميين لكتابة الرسائل الإعلامية المناسبة التي يتقبلها المدمنون، والقصص التي تتحدث عن حالات نجحت التدخلات في الحيلولة دون استمرارهم في تعاطي المخدرات، والأهم أن تكون هناك مراكز بحثية على أعلى مستوى لظاهرة المخدرات تتناول المهربين وحيلهم، والمتاجرين بها، والمتعاطين لها، وأساليب المكافحة، والطرق الجديدة للتغلب عليها، وربما كان إيجاد منافسة بين الإعلاميين لخدمة القضاء على المخدرات أو الحد منها، من خلال إيجاد جائزة أو مجموعة جوائز سنوية لأفضل برنامج، وبحث، ومقال، وكتاب، ومسرحية، وغيرها، وصرف مكافآت مالية لهم ربما يكون عملاً جيداً، وهناك أفكار أخرى كثيرة ومحفزة تصنف في مصلحة تخليص المجتمع من آفة الإدمان.
* *
ومثلما قال الدكتور أحمد عفيان في بحث له، فإن تعاطي المخدرات بجميع أنواعها سلوك يتنافى مع القيم والمبادئ المجتمعية، وممنوع من معظم القوانين والدساتير الوطنية والعالمية، نظراً لما يحدثه من تأثير سلبي على صحة الإنسان واقتصاده، واضطراب نظام حياة أسرته، وربما ضياعها، إلى جانب ارتكاب الجرائم والأعمال المشينة، فإن وسائل الإعلام - والقول له - تقف على رأس المهام المطلوب أن تلعب من خلالها الدور التوعوي والإرشادي بتكريس الإمكانات التقنية والفنية ومهارات العاملين في طاقم الإنتاج، واستخدام فنون التحرير الصحفي لإبراز هذه القضية كأهم مشكلة تواجه المجتمع، وإيجاد الطرق والأساليب الممكنة لكسب تأييد الرأي العام الاجتماعي للحد من انتشارها، بعيداً عن شرور ونتائج تعاطي المخدرات.
* *
شخصياً، لقد توقفت عند تصريح وزير الداخلية الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، الذي أكد فيه خلال وقوفه على سير العمل من غرفة العمليات المركزية بمقر الوزارة، بأن الحملة الحالية التي تتم بدعم وتوجيهات وقيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء تحقق نتائج ملموسة، وأنها لا تزال في بداياتها، وأن الضربات القوية لمواجهة مُروّجي ومُهرّبي المخدرات متواصلة، وستبقى حازمة، ولن نترك المجال للمهربين أو المروجين بأن يستهدفوا شبابنا، أو يعبثوا بالأمن بأي شكل من الأشكال، منوهاً بالجهود التي يبذلها رجال الأمن في مكافحة المخدرات، مستشعرين دورهم في الحفاظ على أمن الوطن وحمايته من خطر آفة المخدرات، وما نوه به سموه بوعي المواطن ودوره في مكافحة المخدرات من خلال الإبلاغ عن مروجي ومهربي المخدرات، مؤكداً أن بلاغات الجميع يتم التعامل معها بسرية تامة، وقد أدركت وأنا أتأمل هذا التصريح، أنه لا تهاون، ولا مهادنة، ولا استسلام، ولا رأفة مع المهربين والمروجين، وفي المقابل هناك على الجانب الآخر جهد كبير يُبذل لإنقاذ وتعافي من أدمن على تعاطي المخدرات بالعلاج والتوعية والمساعدة على تجاوز محنته.
* *
لكن لا تتوقعوا أن من يتاجرون بالمخدرات، ويقبضون مالاً قذراً في مقابلها سوف يرتدعون مهما كانت قوة الضربات، لكنهم لن يهنأوا، ولن ينعموا بمال ينتظروه، فمحاولاتهم سوف تستمر، ولكن القصاص منهم لن يتوقف، فهؤلاء المجرمون ينوعون أساليب وحيل تهريبهم للمخدرات، لكن الخبرات لدى حراس الأمن في الحدود والموانىء والمطارات ستظل لهم بالمرصاد، مع أنهم يهربونها من خلال مالا يخطر على البال، فعلى سبيل المثال فقد هُربت محشوة في طقم أسنان رجل، وفي أحشاء أغنام ميتة، وفي حاملات مصاحف خشبية ومفكرات يومية، وبواسطة الليمون والبرتقال، والسمن النباتي، وحتى المعتمرون فهناك من ضبطت معه مخدرات محشوة داخل خبز ومعجنات، والبصل كان أحد حيلهم، إذاً فالحرب مستمرة، والتصدي لهم لن يتوقف، وعلاج من أدمن سوف يكون محل الرعاية والاهتمام إلى أن يتشافى.
* *
ولابد من التذكير، وبحسب البيانات المتاحة من (نبراس)، أن هناك عوامل أسرية تدفع للتعاطي ويمثل التوبيخ الأسري 40 % والعنف الأسري 32 % بينما التسلط الأسري 29 % وقسوة الأب 25 % ويمكن ملاحظة العلامات التي تدل على التعاطي من خلال الغياب المتكرر عن العمل أو المدرسة، الهيجان والانفعال الحاد عند النقاش، التغيرات في المظهر الخارجي، وجود مخلفات من السجائر، وتتحدث البيانات عن أن الأسباب التي أدت إلى تعاطي المخدرات تم حصرها في: التركيز للتميز الدراسي، وملء الفراغ، والبحث عن السعادة، والتجربة الجديدة، والبحث عن القوة البدنية، وتحسين المزاج, وقد نتج عن ذلك مشاكل أسرية، مشاكل مهنية، قضايا جنائية، وأضرار صحية، ولحمايتهم يجب أن تحتوي الأسرة أبناءها حتى لا يبحثوا عن الأمان في المكان الخطأ، وإشراكهم في أنشطة تفاعلية جديدة لتطوير مهاراتهم، وتوجيههم إلى مسؤوليات تشعرهم بحضورهم ومكانتهم في المنزل، والابتعاد عن القسوة في التعامل معهم، والتعرف على محيطهم من الأصدقاء ومراقبة المتغيرات في حياتهم.
* *
وبحسب (نبراس) أيضاً هناك بعض العلامات تظهر على تعاطي المخدرات أبرزها: التهرب من تحمل المسؤولية، واللامبالاة، والخروج من البيت لفترات طويلة، العدوانية والانفعال والتلفظ بلاوعي، تقلّب المزاج واضطراب الحالة النفسية، فقدان الوزن والشهية، زيادة الطلب على النقود، العزلة، تدني المستوى الدراسي، والمخدرات لها تصنيفات فمنها المثبط، والمنشط، والمهلوس، وقد تكون طبيعية، أو صناعية، أو مُصنعة، وللتنبيه فإن أكثر من 65 شخصاً يموتون في الساعة الواحدة حول العالم بسبب تعاطي المخدرات، و585 ألف حالة وفاة سنوياً حول العالم.
* *
أخلص بعد كل هذا، إلى أن للمديرية العامة لمكافحة المخدرات جهوداً تُذكر فَتُشكر، أبرزها ما تنفذه من برامج وقائية، بما فيها الحملات الإعلامية، ودورات إرشادية للمعلمين والمعلمات للتوعية بأخطار المخدرات، والمشاركة في المؤتمرات المحلية والدولية، وتنفيذ البرامج التوجيهية في جميع القطاعات الحكومية المختلفة، ومتابعة حالات المدمنين في مستشفيات الأمل وعددها ثلاث مستشفيات، والبحث الوظيفي لمن يعالج من الإدمان، وغيرها كثير، ولها تنسيق مع أغلب دول العالم، واتفاقيات بهذا الشأن, ولها إنجازات كثيرة في إحباط تهريب عشرات الملايين من المخدرات سنوياً مما يتم إخفاؤها بطرق لا يمكن اكتشافها لولا الخبرة والكفاءة والمتابعة الدقيقة التي يتمتع بها رجال المديرية العامة لمكافحة المخدرات، والجهات الأخرى المساندة وخاصة الجمارك.