م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. المدنية والنهضة والحضارة ثلاثة مصطلحات وإن بدت متقاربة إلا أنها مختلفة المعنى جذرياً.. بل إن الترابط بينها هو ترابط امتداد في أجزاء وتوازٍ في أجزاء أخرى.. الامتداد يتمثل في أن الحضارة لا تأتي إلا بعد النهضة.. والتوازي يتمثل في أن النهضة لا تتحقق إلا بتمدن المجتمع الناهض.
2. التمدن يعني الحداثة في وسائل الحياة المعاصرة من خلال مجموعة الوسائل والنظم المادية في مجال العلوم والتكنولوجيا لتسهيل الحياة الحديثة.. بينما النهضة تعني الاكتفاء الذاتي وانتشار التمدن والتطور في وسائل العمل والمعيشة من خلال حركة ديناميكية واسعة تطرأ على مستوى الوعي والعقل.. أما الحضارة فهي تعني حالة من الارتقاء التي تحدث في مجتمع ما تميزه عن غيره ويمتد تأثيرها خارج محيطها الجغرافي سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.
3. التمدن يعني الإنتاج المادي من طرق وسكن وبنية تحتية وخدمات معاصرة.. النهضة تعني الإبداع في الإنتاج الفكري والثقافي والفني والابتكار الصناعي، مقترناً بالإشباع والنمو المطرد لوسائل التمدن.. أما الحضارة فتعني أن ذلك الفكر الذي تعيه كافة فئات المجتمع نابع من الذات الداخلية وليس مستورداً من الخارج.
4. ربط الحضارة بدين أو عرق أو موقع جغرافي يحتم أن تكون الحضارة ذات مركزية ذاتية خارج إطار الإنسان.. بينما الإنسان ذاته هو باني الحضارة لا دينه ولا عرقه ولا جغرافية مكانه.. فالحضارات امتدت من الصين إلى الهند ومصر والعراق ثم أوروبا.. وامتدت عرقياً من الآشور والكلدان إلى الإغريق والرومان والعرب والهنود والآن الأمريكان، الذين هم خليط من كل الأعراق، بل إن أحد مفاخرهم أنهم الإناء الذي تذوب فيه كل أعراق العالم (Melting pot of the world).
5. تشبيه الحضارات بالكائنات الحية وهو ما يجعل لها شباباً ونضجاً وهرماً كلام فيه نظر.. نعم الحضارات بداياتها تكون في صعود لكنها في أواخرها لا تهرم كما الإنسان.. بل يتوقف نموها وتضطرب أمورها نتيجة لمشكلات سياسية أو كوارث طبيعية أو غيرها.. فيتوقف تقدمها ومن ثم تتقدم عليها الأمم الأخرى.. لذلك فهي لم تهرم حتى تموت وإنما فقط نتيجة لذلك الاضطراب الذي أصابها توقفت عن التقدم فتقادمت فتخلفت عن الركب.. وما الحضارات الصاعدة الجديدة سوى استمرار للحضارات البائدة وليست نشأً جديداً.. كما أن الحضارة لا تبدأ بالانهيار حينما تستنفذ كل قدراتها وإمكاناتها.. والحقيقة أن السياسة والإدارة الرشيدة أو غير الرشيدة هي التي تحدد مسارات استمرار أو انهيار الحضارات.
6. الحضارة هي نتيجة لمدنية حديثة ونهضة شاملة مقترنة بفكر ذي منهج منتشر لدى طبقات المجتمع كافة يقوده حكم رشيد.. وأصعب تلك المكونات هو الفكر.. لذلك اقترن صعود الحضارات منذ فجر التاريخ ببزوغ الفكر المرتبط بالأنبياء والرسل والقادة العظام الذين تبنوا أفكار مصلحي وفلاسفة زمانهم.
7. التمدن سلوك.. النهضة إنتاج.. الحضارة نتيجة.