محمد سليمان العنقري
منذ تأسيس هيئة السوق المالية قبل عقدين من تاريخنا الحالي وهي تشهد تطورات تنظيمية وتشريعية واسعة، جعلتها تصنف من بين أهم الأسواق الناشئة وتم إدراجها ضمن مؤشر مورجان ستانلي ومؤشرات أخرى للأسواق الناشئة، كما زاد عمق السوق وتنوعت أدوات التداول والمنتجات الاستثمارية والتمويلية فيها ويمكن القول: إنه حالياً يعد من أهم أذرع تمويل مشاريع المملكة عبر الشركات المدرجة وكذلك سوق الصكوك والإدراجات الكثيفة التي تشهدها مما جذب استثمارات أجنبية بعشرات مليارات الدولارات وتعد حالياً من بين أكبر عشر أسواق عالمية من حيث القيمة السوقية بعد إدراج عملاق الطاقة شركة ارامكو، فالسوق أصبحت متطورة من حيث التشريعات والأنظمة والرقابة مما زاد من الإفصاح والشفافية فيها، إضافة لتطبيق الحوكمة على الشركات المدرجة بما يتلاءم مع المعايير العالمية وبذلك أصبحت سوق المال السعودية نموذجاً إقليمياً متقدماً وتمثل أحد أكبر قناتين لجذب الاستثمار في المملكة مع السوق العقارية الأضخم حجماً والأكثر اكتنازا للثروة على مدى عقود والتي بدأت تشهد مرحلة جديدة من التنظيم لتتحول لصناعة حقيقية داعمة للنمو الاقتصادي.
وكثيراً ما يتم المقارنة بين السوقين وأيهما أكثر جدوى استثمارياً والواقع أن المقارنة خاطئة لأن السوقين مكملان لبعضهما، فالأنشطة التي يؤثر بها النشاط العقاري أكبر شركاتها مدرجة في السوق من مواد بناء وصناعات كالأسمنت والحديد وخدمات التمويل وغيرها، فنشاط العقار كما هو معلوم يؤثر بنحو 110 أنشطة اقتصادية ولكل سوق مهتمون بها ومستثمرون فيها، لكن تبقى القاعدة أو المثل الدارج «ما يمدح السوق إلا من ربح فيه» هي الأساس والمحرك العاطفي لأغلب الآراء، فمن يستثمر في سوق الأسهم لسنوات طويلة يكسب كما هو الحال من اشترى عقارات واحتفظ بها لمدى طويل، وفي المضاربة في السوقبن هناك من يكسب ويخسر، فالأسواق عموماً يحركها الناس من خلال العرض والطلب ويتحكم في قرارات شريحة واسعة منهم عاملا الخوف والطمع، كما أن لكل سوق أساسيات تحركها وأدوات ومهارات تستخدم من قبل المتعاملين فيها لكن ومنذ أن بدأت عجلة رؤية 2030 بالدوران فقد تغير واقع قطاع العقار وبدأ يأخذ مساراً تطويرياً مختلفاً يتماشى مع مستهدفات الرؤية والحديث ليس فقط عن العقار السكني، بل كافة المنتجات العقارية فقد ركزت الرؤية على قطاعات السياحة والترفيه وبذلك تحركت الاستثمارات العقارية في جزء منها نحو ضخ استثمارات توفر الخدمات السياحية والترفيهية المنشودة، فظهرت مشاريع رائدة بمواصفات عالمية، أما في القطاع السكني فقد تغيرت آلية الدعم السكني عبر الصندوق العقاري لشراكة مع قطاع التمويل من بنوك وشركات تمويل مما أسهم بضخ مئات المليارات خلال السنوات الست الأخيرة مع مبادرات وبرامج لزيادة المعروض من المنتجات العقارية السكنية وإنشاء شركات تطوير حكومية عملاقة تنفذ مشاريع ضخمة بالمدن الرئيسة بنموذج التطوير الشامل بإشراك مطورين من القطاع الخاص من فئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتأسيس صناعة تطوير عقاري متقدمة، إضافة لدعم حركة السيولة بالقطاع عبر أدوات عديدة، فما يحدث حالياً بالقطاع العقاري هو بداية جديدة لقطاع سيشهد تغيرات جذرية في السنوات القادمة كما هو الحال في السوق المالية، فالأنظمة والتشريعات أصبحت أكثر مواءمة مع المعايير العالمية والسوق بدأت تأخذ مساراً يمكن له أن يجذب المستثمرين من الخارج مما يضيف تنافسية وتطويراً بالمنتجات وأساليب التطوير والتنفيذ كما أن تنوع المنتجات وطرق التمويل سيسهم باستدامة نشاط السوق العقارية، فالبدايات دائماً تواجه تحديات وتكتشفمعها احتياجات لمزيد من التشريع والتنظيم وتطوير بآليات الرقابة ونهوض بأنشطة الخدمات العقارية من أعمال التسويق والوسطاء وخدمات ما بعد البيع وغيرها من الاحتياجات التي تعزز من نشاط السوق والموثوقية فيها والمساهمة بتوليد فرص عمل واستثمار واسعة.
النشاط الذي شهده القطاع العقاري بكافة منتحاته السكنية والتجارية يمثل مرحلة أولى في نشاط السوق وسيتبع ذلك تطور واسع في المنتجات والخدمات ومستويات الأسعار للتملك والتأجير تكون ملائمة لكافة الشرائح من حيث الدخل واحتياج كل أسرة أو فرد، إضافة للمشاريع التي تخدم قطاعات السياحة والترفيه التي ستحاكي المشاريع العملاقة التي تنفذها الدولة عبر صندوق الاستثمارات العامة، فالمرحلة القادمة لن يستمر فيها إلا من يقرأ التوجهات التي يسير نحوها السوق العقارية وكما تطورت السوق المالية فإن السوق العقارية تأخذ نفس مسار رحلة التطوير وكذلك التحديات والتعامل مع الدورات الاقتصادية حتى تصبح أكثر نضجاً وجذباً للاستثمارات النوعية وتطويراً للكوادر البشرية التي تعمل بها.