د. تنيضب الفايدي
العمل في التربية والتعليم حياة متجددة، وقد عمل المؤلف أكثر من أربعين عاماً معلماً ومديراً للمدارس، ومشرفاً تربوياً، ومديراً عاماً للتربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة، وقد اختزن خلال هذه المدة الكثير من التجارب والمواقف التربوية، وتعوّد أن يضع شعاراً لكلّ عام تقريباً، وقد استخدم عندما كان مديراً عاماً للتربية والتعليم عبارة: (أترك أثراً)، وقد انتشرت هذه الكلمة انتشاراً واسعاً في جميع الإدارات والمدارس، ولمس آثارها التربوية العاجلة، ولم يجد سبباً لهذا الانتشار إلا أنه كان زميلاً للجميع، للمستخدمين، والمعلمين، والمشرفين التربويين، ولمديري المدارس، وغيرهم، وقد كان يكرر في المجالس التربوية أن الأثر هو الذي يبقي الإنسان حياً وإن كان قد غادر الحياة:
الناس صنفان موتى في حياتهمُ
وآخرون ببطنِ الأرضِ أحياءُ
وقد بثّت عبارة (أترك أثراً) روح التنافس بين المدارس وبين معلميها، وتجسد هذا الأثر في ممارسات وتطبيقات ميدانية داخل المدرسة وفي البيئة التي تقع بها تلك المدرسة، بل وتغيرت البيئة داخل المدرسة وداخل الفصل، حيث غيّرت مقاعد الطلاب، وأصبحوا متقابلين حول طاولات مستديرة أو مستطيلة، وكلّ طالب يواجه زميله، وانتهت كلمات المعلم (إنت اللي في الركن.. إنت اللي وراء، لا اللي خلفك). كما تغيّرت أساليب الحصص، وتعدّدت طرق استخدام المعامل والمكتبات، كما تعددت التجارب التربوية المميزة في الإشراف التربوي، وظهرت تجارب جديدة جمعت وصدرت في كتاب (التجارب التربوية المميزة)، بل ظهرت أنواع من المدارس مثل: المدارس الرائدة، والمدارس الذكية، وكلّ ذلك التنافس من آثار عبارة: (اترك أثراً)، بل أصبح الأثر خارج نطاق التربية والتعليم، حيث قابلني أحد (الأشخاص) وأثنى على العبارة وقال: «لقد كررت العبارة كثيراً بيني وبين نفسي، ونتيجة لها أوقفت عمارة يرجع ريعها لخدمة كتاب الله وللأيتام». واعتبرت ذلك أثراً، وفي نهاية العام فوجئتُ بحدوث مشكلة، تطورت هذه المشكلة حتى تناولتها بعض الصحف، وقد كتب عنها الكتّاب وأصحاب الأفكار وسوِّدتْ بسببها (أنهر الجرائد) أي: أعمدة الصحف، بل وربطت بالإرهاب، هذه المشكلة تعلّقت بورقة أسئلة لإحدى مواد التربية الإسلامية، وتركّزت أسئلة هذه المادة على مجموعة من العبارات في حدود (35 عبارة أو 40 عبارة)، منها ما يقارب (15 عبارة) تتعلق بالسراويل، وتم التركيز على سراويل اللاعبين في الأندية المشهورة وباسم اللاعب شخصياً، وخصّ النساء منها (2)، كما ذُكِرَ في الأسئلة (سروالٌ) عرفتُ اسمه قبل الاختبارات بشهر لوقوع مشكلة حوله، أما قبل ذلك فلا علم لي به إطلاقاً، وهذا السروال لا يغطي الخلفية كاملاً، بل يترك الجزء العلوي منها وإذا سقط من يلبسه تنكشف خلفيته كاملةً يطلق عليه (سروال طيّحْنِي)، وقد ذهبت إلى المدرسة وقابلتُ من وضع هذه العبارات، وهو مدرسٌ عادي وتظهر عليه (الطيبة)، وعندما سألته لماذا ركّز على ذلك (أي: على السراويل) فكأنه أجابني بأنه نوعٌ يندرج تحت (اترك أثراً)، وقد انتشرت (فضيحة) هذه الورقة بين وسائل الإعلام، ومعلومٌ أن أسئلة العبارات التي يُجاب عليها بـ(P) أو (×)، هذا النوع من الأسئلة لا يحقق هدفاً ولا يولّد تفكيراً علمياً، كما أنه ليس وسيلة من الوسائل التي تساهم في حلّ مشكلةٍ ما، أو تفسر ظاهرتعتمد على دراسة الطالب في المنهج المخصص له، وإنما هو وسيلة من وسائل تبسيط إجراءات التصحيح ورصد الدرجات، وقد يصحح آلياً ويدلّ هذا النوع من الأسئلة على عدم اهتمام المعلم بمادته أو حتى عدم اهتمامه بالطالب، ناهيك عن مستوى طلابه، وقد انتشر هذا النوع انتشاراً واسعاً حتى تدنّى مستوى الطلاب العلمي، وأصبحت المشكلة واضحة لدى من له اهتمامٌ بالتربية، إن عبارة (أترك أثراً) عبارةٌ مهمة جداً وناجحة إذا ما استغلت استغلالاً سليماً، لكن لا يصل الأثر إلى (السراويل)!! وأخيراً قال أحمد شوقي:
وكن في الطريق عفيف الخطى
شريف السمع كريم النظر
وكن رجلاً إن أتوا بعده
يقولون: مرّ وهذا الأثر