رقية نبيل
كونان إيدوجاوا كان فتى أحلامي وأنا في الصف الثالث الابتدائي، أي في عمر لم أكن قد عرفت بعد مدى عشقي للروايات وغموضها، كانت الشخصيات العديدة والتصرفات البطولية والرومانسية البسيطة والألغاز والشر اللذان يغلفان كل هذا تأسرني، حينما كبرتُ لم يتغير حبي هذا، قال الجميع إنك ستنضجين وسترين كم أن كل هذه الشخصيات الكرتونية إنما هي تفاهات، لكنني كبرت وازددتُ عشقًا لعالم الأنيميشن الرحب بكل أنواعه، ديزني، دريم ووركس، والأنمي الياباني وكونان بالطبع، حتى وصلت لنقطة ظننت فيها أن هذا لن يتغير وأنه إما أنني معطوبة لا أكبر أو أن هذا العالم شيق بما يكفي لكي أُنتزع من شباكه.
ذات حين وقع بين يدي أنمي لم أكن أعرف عنه شيئًا «كيندايتشي»، كان بطله شاب في الثانوية عبقري أيضًا وقضاياه كانت مذهلة على جميع الأصعدة, تكاد تقترب من قضايا أجاثا كريستي والقصص العميقة الإنسانية التي تتشابك بحداقة وحرفية من صاحبتها مع اللغز المطروح، ثم لمّا مضت الحلقات تترا اكتشفت شيئًا أرعبني, الشخصيات، القصص، القضايا، وحتى الفكاهة تبدو مشابهة كثيرًا لكونان, أجريت بحثًا وتبين لي أن هذا الأنمي أقدم بكثير من كونان، أنا لا أعرف جوشو أوياما مؤلف كونان شخصيًا ولست قطعًا بروحانية نفسية عبقرية غير أنني وبطريقة ما أعرف كيف يتصرف المؤلفون، وكيف قد يسرقون فكرة أو اثنتين من غيرهم.
في الماضي جرى جدل واسع ومحتدم حول متى يمكن اعتبار هذه الاقتباسات إلهامًا ومتى تعد سرقة، لكنني لست بصدد إثبات دليل قطعي ورفعه للمحاكمة أنا أتحدث لنفسي ومع نفسي فحسب، حينما تأكدت أن ليست كل الأفكار الكونانية أصيلة بحق هنا فقط تغيرت محبتي له، ولم يعد يثير حماستي قط، وفقدت الارتباط الذي لطالما حملته روحي لشخصيات هذه القصة.
يمكنك أن تعزو هذا التغيير ببساطة لكوني قد كبرت، ستقول «أنت نضجت ومن الطبيعي أن تفقدي اهتمامك بالكرتون» لكن هذا الدرس علمني متى بحق أفقد اهتمامي وشغفي ومحبتي لأمر ما، أيًا كان كنهه، إن ذلك يحدث فقط حينما يسقط من ناظرينا وتتبين لنا عيوبه المخبأة.
عندما تكبر ستكتشف ببساطة أن بيتك الذي كبرت فيه ليس مثاليًّا، وأن أناسك لهم أخطاؤهم، وأنه قد يصيبك أذى من أقرب الناس إليك، هذا لا يعني أنهم لا يحبونك.. ولكن الأذى يقع على أية حال، إنها الحياة والدنيا وحالها.