رمضان جريدي العنزي
لقد تفشت البذاءة في أغلب وسائل التواصل الإعلامي، وأصبح خدش الحياء عملية سهلة وميسرة، وصار التردي واضحا وجليا، والانحدار فيما يسمى الإعلام الجديد أضحى بلا هدف ولا رسالة ولا مضمون، لقد امتهن البعض في وسائل التواصل الاجتماعي البذاءة والتفاهة، واستعرض حياته الخاصة بكل تفاصيلها، دون قيد أو مصد أو خط أحمر، بل انفلت انفلاتاً كبيراً، ونكس على عقيبه، فقط لكسب الشهر والمال ولو كان على حساب القيم والمبادئ والثوابت والأخلاق، لقد زالت جائحة كورونا، لكن بقيت جائحة البذاءة وقلة الحياء قائمة تنفث سمومها دون توقف وبأشكال وألوان وتفاصيل مختلفة، أعترف بأن هناك في وسائل التواصل الاجتماعي من نجح في نشر الوعي والمعرفة والدعوة للاخلاق الحسنة والسلوك القويم، وفق طرح حضاري راق وسليم ونظيف، مثل هؤلاء هم القدوة، الذي يجب دعمهم وتشجيعهم والوقوف معهم، إن هؤلاء القدوات هم من يصنعون جيلاً راقياً خالياً من الأدران والشوائب الأخلاقية، بينما الآخرون يهدمون ما يصنع هؤلاء وفق معاول هدم حادة، إن الفساد المالي والإداري خطير، وبلاؤه عظيم، لكن الأسوأ منه إفساد العقول، إن التمرد على القيم، والانحطاط في الطرح، وانعدام الخجل، ونشر ثقافة الهدم أصبحت ثقافة يتسابق إليها المتسولون للمال والشهرة، وعناوين التحرر والانفتاح كما يزعم هؤلاء، إن أغلب الطروحات في مواقع التواصل الاجتماعي لم تكتف بالبذاءة والسطحية وافتقار المعرفة، بل وصل إلى قمة البذاءة، ففيه من الكلمات والعبارات الدنيئة والبذيئة ما يعف لسان العاقل الحكيم عن ذكرها والتفوه بها، إن هؤلاء غايتهم البحث عن الثروة الطائلة، وإن كانت على حساب قيم المجتمع وثوابته، لقد باتوا نواقيس خطر يدق أبواب المجتمع بمختلف طبقاته، أن مهنة (اللايكات) و(التكبيس) صارت مرضاً يهدد ثوابت المجتمع وأخلاقه، بل أزمة وبائية كبيرة، وكارثة أخلاقية وانهيار، ومن أجل المال أصبح التعري وإظهار المفاتن والعورات والإيحاءات والحركات وتصوير الخصوصيات الدقيقة شيء عادي وطبيعي، بعيداً عن الفضيلة والمروءة والشيمة والشهامة، إن المسألة في غاية الخطورة والأهمية، لأنه عندما تفتقد المعايير المهنية والأخلاقية لصاحب الطرح يصبح الإفلاس والأسفاف نتيجة حتمية للفشل والنكوص، إن ما نراه من طروحات غاية في البذاءة والدناءة أصبحت أكثر خطراً من السهم والبندقية، كونها تستهدف قتل قيمنا وثوابتنا وأخلاقنا، هذه حرب مجرمة وقوها الأطفال والرجال والنساء وكل أطياف المجتمع، إننا نذكر هؤلاء المفلسين المعدمين بقوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (49) سورة الكهف.