اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
صحيح، تعتمل عميقاً في وجداننا مشاعر حُبٍّ دافقة تجاه وطننا العزيز الغالي الذي ليس مثله في الدنيا وطن، يصعب على الإنسان، إن لم يكن يستحيل تماماً، إفراغها في حروف مهما امتلك من ناصية اللغة وقدرة على التعبير وسعة خيال؛ بالطبع ليس هذا من باب العاطفة الجياشة أو الانحياز الأعمى، بل لأن الوطن هو الذي دفعنا لهذا طوعاً بما وفَّره لنا من رعاية واهتمام وحفظ للكرامة وحماية للاستقلال وأمن وأمان واطمئنان واستقرار منقطع النظير في العالم كله، لا مثيل له حتى في تلك الدول التي تتشدق صباح مساء بالعظمة وتتوهمها وتتبجح بها. ليس هذا فحسب، بل رفع وطننا رأسنا عالياً بين سائر خلق الله، وبيَّض وجهنا. ولهذا أصاب أخي (دايم السيف) الشاعر الفحل، كبد الحقيقة عندما أنشد فينا بكل عزَّة وفخر:
ارفع راسك انت سعودي
طيبك جاوز كل حدودي
مالك مثيلٍ بالدنيا
غيرك ينقص وانت تزودي
فارس وأجدادك فوارس
واصبحت لبيت الله حارس
مغروس بالمجد وغارس
وإذ تفعل بلادنا هذا كله وغيره كثير مما يستحيل حصره، فلأنها دولة رسالة وقافلة خير قاصدة إلى الأبد بإذن الله، ويد خير طولى، تجاوز خيرها (الحدودي) كما أكد أخي الأمير خالد الفيصل. فمنذ أن تم تأسيسها عام 1727م للمرة الأولى، قبل ثلاثة قرون، وهذا هو الأساس الذي نشأت عليه، وقدَّم قادتها الكرام البررة على مر التاريخ، أرواحهم الغالية ودماءهم الزكية ثمناً لتحقيق غاياتها السامية من رعاية للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وتوفير رعاية فائقة لضيوف الرحمن وخدمة للمواطنين واهتمام بشؤون العرب والمسلمين حيثما كانوا في بلاد الله الواسعة، وقد أكد هذا المؤسس الملك عبد العزيز آل سعود في أكثر من مناسبة، إذ يقول: (إننا - آل سعود - لسنا ملوكاً، ولكننا أصحاب رسالة).
فبصرف النظر عمَّا تضطلع به بلادنا من أجل راحة مواطنيها وعزتهم وحفظ كرامتهم، وهو بالطبع واجب كل دولة مسؤولة تجاه مواطنيها، ولاسيَّما في هذا العهد الميمون الزاهر الذي وفَّرت فيه الدولة حياة سبعة نجوم لكل شرائح المجتمع؛ أقول بصرف النظر عن هذا الواجب، لا تفتأ بلادنا -حرسها الله-، تحمل هم العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بالقدر نفسه الذي تعمل به بجد لخدمة مواطنيها؛ بل ربَّما أكثر أحياناً، لأن ذلك هو لحمة رسالتها وسداها، التي اختصها الله سبحانه وتعالى بها حين شرَّفها بأن جعل بها أول بيت وُضِع للناس، كما جعل فيها مثوى خاتم رسله وأنبيائه للناس كافة.
وقطعاً ما قامت به دولتنا في هذا الجانب على تعاقب عهودها، وما تقوم به اليوم، أصبح معلوماً لدى الجميع بالضرورة، إذ أصبح الحج والعمرة والزيارة رحلة ممتعة سبعة نجوم، يحظى فيها الحاج والمعتمر والزائر برعاية وعناية واهتمام لا مثيل لها، يفتقدها كثير منهم في بلده الأصلي. وبالطبع ليس في هذا منَّة على أحد، بل واجب مقدس تسعد به البلاد وقادتها وشعبها، إذ يعتز مليكنا ويفتخر بأنه خادم للحرمين الشريفين؛ فأصبحت مُعَلِّمة للعالم كله في تنظيم الحشود وتوفير احتياجاتهم كلها، ولاسيَّما طب الحشود، الذي صار اليوم عِلْماً يُدَرَّس في جامعات (الدول العظمى).
وعلى صعيد آخر، ما أشعل المغرضون فتنة بين مواطني هذه الدولة العربية أو تلك الدولة الإسلامية، أو بينها وبين جاراتها، أو حتى بينها وبين أي دولة في أي قارة، إلا كانت السعودية أول المسارعين لإيجاد حل عادل يضمن حق الجميع وينزع فتيل الفتنة ويئد الشر قبل استفحاله.
والحقيقة، الأمثلة على هذا كثيرة تجل عن الوصف وتستعصي على الحصر، خاصة في عهد هذه الدولة المباركة التي نتفيأ اليوم ظلالها الوارفة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، سيدي الوالد المكرم الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهدنا القوي بالله الأمين أخي العزيز صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، -حفظهم الله ورعاهم-، وسدَّد على طريق الخير خطاهم، فبداية من معاهدة الطائف التي تم توقيعها في جدة عام 1934، التي أنصف فيها الملك عبد العزيز اليمن الذي كان ذات يوم سعيداً من إمامه يحيى حميد الدِّين، الذي غرَّه الغرب للتحرش بالسعودية والاعتداء على حدودها.
وبالطبع، لا أحد ينسى دور المملكة الرائد منذ عهد المؤسس في مساندة القضية الفلسطينية منذ عام 1948، بل حتى قبل ذلك منذ العام 1912، كما يقول خير الدين الزركلي في كتابه: شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز: (كانت للملك عبد العزيز مواقف العربي المسلم، الصحيح العروبة، الصادق الإسلام. فساهم في قضية فلسطين بسعيه وماله ورجاله، كما ساهم في القضايا العربية الأخرى...) بل دعم المملكة لفلسطين ثابت راسخ حتى اليوم على كافة الجبهات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إذ تعد السعودية اليوم أكبر داعم مادياً للأشقاء الفلسطينيين بين سائر الدول العربية والإسلامية، ناهيك عن حملات التبرع العديدة التي يقودها القادة ويشرفون عليها ويشارك فيها حتى الأطفال والنساء.
وقطعاً لا تفوتني هنا الإشارة لجهود السعودية السياسية على كافة المستويات المعنية لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية واستضافتها الدائمة لاجتماعات حل الخلافات بين الأشقاء الفلسطينيين. ويحضرني هنا مؤتمر مكة المكرمة الذي استضافته السعودية عام 2007 لتسوية الصراع بين فتح وحماس، وتم الاتفاق فيه على وقف الاقتتال الداخلي وتشكيل حكومة وحدة وطنية؛ وأقسم أعضاء الوفدين أمام الكعبة المشرفة وتعهدوا بالالتزام بمقررات المؤتمر لنزع فتيل الفتنة الداخلية، لكن للأسف الشديد: لم يوفوا بوعدهم وحنثوا بالقسم، وخذلوا القيادة السعودية. وما تزال فلسطين تئن من عقوق أبنائها ونكوصهم عن العهود. ومع أن العمل مع من لا يحترمون العهود صعب، لما فيه من مضيعة للوقت والجهد ومرارة الخذلان، إلا أن جهد القيادة السعودية من أجل فلسطين لم يتوقف ولن ينقطع أبداً حتى تنال حقوقها العادلة إن شاء الله. فضلاً عن مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية عام 2002 في القمة العربية في بيروت، التي تهدف لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، معترف بها دولياً، وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان، استناداً لقراري مجلس الأمن (338 + 242) فأحرجت دولة الكيان الصهيوني وأثبتت للعالم كله عدم إرادتها الحقيقية لتحقيق السلام.
وليس بعيداً عن مناصرة فلسطين، لا أحد ينسى موقف السعودية المدهش الذي اتخذه الملك فيصل مع الجهد العربي لتعزيز المجهود الحربي المصري أثناء حرب عام 1973، ضد العدو الصهيوني؛ تلك الحرب الخاطفة التي حققت نصراً عربياً أدهش العالم، وأتمنى من كل قلبي ألا يظل نصر العرب اليتيم، كما تعودنا أن نطلق عليه. والسعودية هذه هي نفسها التي عملت جاهدة لعودة مصر لأحضان أمتها العربية بعد أن قاطعها العرب جميعهم ما عدا السودان، إثر معاهدة كامب ديفيد عام 1979 مع دولة الكيان الصهيوني.