د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تصر السعودية على أن تقود أوبك وفق أساسيات السوق وترفض تسيسه، لأن دولاً غربية تتهم أوبك بلس بالتلاعب بأسعار النفط إضافة مخاطر إلى الاقتصاد العالمي من خلال تكاليف الطاقة المرتفعة، كما يتهم الغرب أوبك بالانحياز لروسيا رغم العقوبات الغربية المفروضة بسبب غزو أوكرانيا، لكن أوبك ترى أن التسهيل الكمي في العقد الماضي فاقم التضخم وأجبر الدول المنتجة للنفط على التحرك للحفاظ على قيمة السلعة الرئيسية بين صادراتها.
اتجهت أوبك بلس في اجتماعها في فيينا 4-5-2023 في اتخاذ سياسة تحوط شفافة وموحدة في ظل ضبابية تحيط بالاقتصاد العالمي، خصوصاً بعدما أصبحت أوبك بلس أكثر تطوراً وأكثر خبرة في إدارة أسواق النفط، كما في وثائق التأمين، العقود الآجلة التي توسعت لتشمل للتحوط في قيم الطاقة، المعادن الثمينة، العملات الأجنبية، وقبل اجتماع أوبك حذَّر وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان المستثمرين الذين يراهنون على انخفاض أسعار النفط أن يحذروا كان مؤشراً على أن أوبك بلس ستجري تخفيضات جديدة تحوطاً.
رغم طموحات السعودية للوصول بالإنتاج إلى 13 مليون برميل يومياً، لكنها ضحت من أجل استقرار أسواق النفط وتماسك أوبك بلس بأن قررت خفض إنتاجها 1.5 مليون برميل يومياً بشكل طوعي إلى مستوى 9 ملايين برميل يومياً لدعم أسواق النفط واستقرارها، والتخفيضات الطوعية الإضافية كانت بمقدار مليون برميل يومياً ستبدأ من يوليو 2023 ولمدة شهر قابلة للتمديد.
كما قررت أوبك بلس في الاجتماع المنعقد في فيينا تعديل مستوى إنتاجها إلى 40.4 مليون برميل يومياً اعتباراً من يناير 2024 ولمدة عام أي خفض الإنتاج بمقدار 3.66 مليون برميل يومياً عندما وجدت أن التخفيض الطوعي في أبريل 2023 حتى نهاية نفس العام لم يحقق أهداف المجموعة نتيجة الضبابية التي أحاطت بالأسواق العالمية خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة التي ضربت البنوك الأمريكية بعد رفع أسعار الفائدة الأمريكية، وكذلك كانت تحوم شكوك حول صفقة سقف الدين الأمريكي والذي انتهى باتفاق نتج عن ذلك تقلبات حادة في أسعار النفط وسجل سعر البرميل نهاية مايو 2023 خام برنت 76 دولاراً للبرميل ونحو 71.8 دولاراً للخام الأمريكي، بعدما ساعد قرار أبريل في زيادة أسعار النفط بنحو تسعة دولارات ليتجاوز سعر البرميل 87 دولاراً للبرميل، لكنها تراجعت تحت ضغط من المخاوف بشأن النمو الاقتصادي العالمي والطلب.
نجد أن الدبلوماسية السعودية التي تقود أوبك بلس استخدمت مصطلح تخفيض تطوعي احترازي بدلاً من التخفيض الإلزامي الذي كانت تتبعه في السابق الذي يجعل الدول المشاركة في أوبك بلس تشعر أن الجميع مستفيد من هذا الخفض الطوعي كإجراء احترازي، وكانت تضحية السعودية الأكبر التي رفعت الخفض الطوعي من 500 ألف برميل يومياً حتى نهاية شهر ديسمبر 2023 إلى 1.5 مليون برميل يومياً.
كان الاجتماع الوزاري الخامس والثلاثون لأوبك بلس في 4 يونيو 2023 ناجحاً بكل المقاييس، إذ أعلنت دولة الإمارات أنها ستمدد خفضها التطوعي لإنتاج النفط البالغ 144 ألف برميل يومياً حتى نهاية 2024، وكذلك العراق أعلن عن التزامه بالخفض الطوعي لنحو 211 ألف برميل يومياً، ونحو 40 ألف برميل يومياً لسلطنة عمان، ونحو 48 ألف برميل للجزائر، وستمدد روسيا خفضها التطوعي لإنتاج النفط البالغ 500 ألف برميل يومياً حتى نهاية 2024، وهناك دول عجزت عن تحقيق أهداف الإنتاج لديها كنيجيريا وأنغولا.
المهم أن أكبر دولة منتجة للنفط من خارج أوبك روسيا أوضح وزير الطاقة الكسندر نوفاك نائب رئيس الوزراء الروسي أن دول أوبك بلس لديها القدرة على تعديل قراراتها من أجل استقرار أسواق النفط، وقال نراقب تعافي الصين من تداعيات جائحة كورونا، وهو تصريح يبدد مراهنة بعض المحللين على تفكيك أوبك بلس، ومثل هذا التصريح يعطي إشارة إلى تماسك دول أوبك بلس، خصوصاً بعدما اتفق الجميع على عقد الاجتماع لمجموعة أوبك كل ستة أشهر، وتم الاتفاق على عقد الاجتماع السادس والثلاثين من نوفمبر، كما منح لجنة المراقبة الوزارية المشتركة سلطة عقد اجتماعات إضافية أو طلب عقد وزاري للمجموعة في أي وقت لمواجهة تطورات السوق كلما اقتضت الضرورة.