عبدالرحمن الحبيب
أولئك الذين كانوا سعداء بانخفاض الهجرة إلى حدٍّ كبير أثناء جائحة كورونا، فها هي قد عادت إلى ما كانت عليه وأكثر بعد انقضاء فترة الإغلاق، فرغم أن جائحة كورونا تسببت بتعطيل حركة الناس في جميع أنحاء العالم بشدة، إلا أنها لم تمنعهم من الرغبة في التنقل؛ بل إن عدد الراغبين بالهجرة وصل إلى أعلى مستوياته، ففي عام 2021 قُدِر ما يقرب من 900 مليون شخص حول العالم أرادوا الهجرة بشكل دائم إذا استطاعوا، أي ما نسبته 16 % من البالغين، حسبما أظهرت استطلاعات رأي غالوب في العام الثاني من الجائحة.
وللمفارقة، فهذه الأرقام الضخمة تشكل أحد روافد العولمة وفي نفس الوقت تشكل مصدراً للقلق على الهوية والوظائف في البلد المستقبِل مما يدعم توجهات التيارات الشعبوية المناهضة للعولمة. لكن ليست كل مناطق العالم تزداد بها الرغبة بالهجرة، ففي حين ارتفعت هذه الرغبة إلى مستويات أعلى منذ عقد من الزمن في المناطق المعروفة بإرسال المهاجرين، مثل أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط؛ فعلى نقيضها تراجعت التطلعات إلى الهجرة إلى أدنى مستوياتها خلال عقد في كل من الاتحاد الأوروبي وشرق آسيا نتيجة إلى الانخفاضات الكبيرة في بلدان مثل فرنسا وألمانيا في الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية والصين في شرق آسيا.
لأول مرة احتل لبنان صدارة قائمة الراغبين في الانتقال إلى بلد آخر إذا سنحت لهم الفرصة في عام 2021 بعد أن قفزت نسبة الراغبين بالهجرة من 26 % في 2018 إلى 63 % وسط الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد، وهناك 13 دولة أخرى، يرغب حوالي نصف السكان البالغين أو أكثر في الهجرة.
وفي آخر نتائج استطلاع 2022على مستوى المناطق أظهرت دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أعلى رغبة في الهجرة (37 %) يليها دول أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (32 %) ثم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (29 %). أما أقل مناطق العالم رغبة في الهجرة فهي دول جنوب آسيا (10 %) وجنوب شرق (8 %)، وشرق آسيا (4 %).
البلد الأول الذي يعتمد تاريخياً على المهاجرين، وهي الولايات المتحدة لا تزال الوجهة الأكثر طلباً، ولكنها أقل جاذبية الآن مما كانت عليه قبل عام 2017. فحوالي 18% من المستطلعين حددوا الولايات المتحدة على أنها مكان إقامتهم المستقبلي المنشود. ومع ذلك، فإن هذا الرقم أقل مما كان عليه في جميع السنوات التي سبقت عام 2017، مما يشير إلى تحول تاريخي في أمريكا رغم أنها دولة مهاجرين أو كما قال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي «كل جانب من جوانب الاقتصاد الأمريكي استفاد من مساهمات المهاجرين».
مع انخفاض المهاجرين المحتملين تجاه الولايات المتحدة، وتراجع مستويات الهجرة الفعلية إليها، تحسنت مشاعرهم تجاه جارتها في الشمال. في عام 2021، حققت كندا أعلى مستوى للهجرة في تاريخها. وتظهر أرقام استطلاع غالوب أن 8 % من المهاجرين المحتملين يرغبون في الانتقال إلى كندا.
تتزامن فترة الاستطلاعات مع الإعادة البطيئة لفتح العالم في عام 2021 بعد انخفاض تنامي الهجرة الدولية بنسبة تصل إلى 27 % من منتصف عام 2019 إلى منتصف عام 2020، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. في البلدان الغنية الـ 38 التي تشكل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، انخفضت الهجرة خلال فترة الإغلاق بأكثر من 30 % في عام 2020 وهو أدنى مستوى لوحظ منذ عام 2003.
تنامي الهجرة تزامن مع صعود الإيديولوجيا القومية بشكلها المتطرف الذي يرى أن أمة الفرد فوق الأمم، بحجة اجتماع الأشخاص معاً كهوية أو عرقية مشتركة يهددها الآخرون. يؤدي هذا التوجه إلى قيام الجماعات القومية بالتعبير عن كراهية الأجانب والتأييد للسياسات المناهضة للهجرة لأنهم غالباً ما يرون الأجانب إما كمنافسين على الوظائف أو كأعباء متخلفة أو ضعيفة تحتاج إلى مساعدات مالية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى مزيد من السياسات الانعزالية التي تعرقل التعاون العالمي بين الدول والمنظمات الدولية.
كذلك تزامنت هذه الحالة مع صعود الشعبوية، ورغم أنها ترتبط بالقومية برابط وثيق لكنها تختلف بزعمها أنها تتحدث إلى «الشعب» وتصور «النخبة» على أنها مجموعة تتجاهل احتياجاته وتجعل حياته أسوأ. يحاول الشعبويون استحضار مشاعر الفخر والخوف والغضب بين قاعدتهم الشعبية، بحيث يشعرونهم بخطر الآخرين سواء من الأجانب أو الأقليات مما يخلق الانقسام بين السكان.
رغم أن الزيادة في الرغبة في الهجرة قد تثير الإنذارات على المستوى العالمي، فمن المهم ملاحظة أن النسبة المئوية لأولئك الذين لديهم خطط للانتقال هم أقل بكثير من النسبة المئوية لمن يرغبون في الهجرة، فالرغبة لا تعني وضع خطة لذلك، كما أن وضع خطة لذلك لا يعني أنه سيفعلها، ومن ينوي فعلها قد لا يتمكن.
ليست كل الدول تخشى الهجرة، فثمة دول مثل كندا تعتمد على رغبة الناس المتزايدة في القدوم إلى بلادها، فقد أعلنت الحكومة الكندية عن خطط أواخر عام 2020 لاستقبال ما يقرب من 1.5 مليون مهاجر بحلول عام 2025 لتعويض شيخوخة سكانها وتخفيف نقص العمالة.