رضا إبراهيم
نستكمل حديثنا بالمقال الثالث، لنؤكد على التزام الإعلام السعودي كثيراً بالموضوعية، واستبعاد الذات والأهواء والمصالح والإرادات الداخلية والخارجية حول الموضوع المراد نشره أو بثه، وذلك يُعد مطلباً انتشر التمسك به منذ صياغة الأساليب العلمية الحديثة بوسائل الإعلام بالمملكة، وعمل الإعلام السعودي على التخفيف من الأذى.
حيث وضح أن كثيراً من الأذى يمكن أن يلحق ببعض الأشخاص، أو الشركات أو المؤسسات أو الجمعيات الأهلية ... إلخ، حالة ما إذا نسبت إليهم أفعال أو وقائع أو أقوال قد تبدو مسيئة أو ذات طابع إجرامي، قبل صدور أحكام قضائية دامغة، أو دون إثباتات مؤكدة وغير قابلة للشك بخصوص نفس الأمر.
لذلك اتبعت وسائل الإعلام بالمملكة الحذر الشديد في تلك الأوضاع، عند تعاملها مع موضوعات مشابهة، وفي أصعب الأحوال تخفيف الضرر والأذى اللاحق بالأشخاص (مادياً ومعنوياً) بالأحوال الملتبسة، ومن ثم تقيدت بذلك التوجيه باعتباره من الأمور الأكثر إلحاحاً، وبالأخص حالة تعلق المواد الإخبارية بالأطفال أو القاصرين أو ذوي الاحتياجات الخاصة، كالتي في المستشفيات أو بدور الرعاية أو الجمعيات الأهلية الفاعلة.
ويمكن الإشارة إلى أن منتديات الإنترنت بالمملكة، بدت متنوعة الاهتمامات، فمنها السياسية والاقتصادية والرياضية والثقافية والتراثية والساخرة، ومنها أيضاً ما تُمثل رابطاً اجتماعياً يخص جماعات محددة، كمنتديات المرأة أو جماعات المهنيين الطلاب والمبتعثين، علماً بأن تلك المنتديات قد حظيت بشعبية كبيرة واستقطاب جمهوري واسع، ما أهلتها لتقوم بإعادة إنتاج نفسها عبر رسائل أخرى، أهمها تقديم منتديات خدمتي الرسائل القصيرة والرسائل متعددة الوسائل، بجانب إطلاق منتديات «عالم حواء» وهي قناة تلفزيونية فضائية.
وفي ذات الوقت توجهت الفضائيات الإذاعية والتليفزيونية، وعبر الصحف ووسائل الإعلام المحلية والصحف الإليكترونية السعودية، وعنَت بالبحث عن الرواج الإقليمي والمحلي، عبر مواردها الإعلامية المقدمة إلى الجمهور الواسع، حيث كانت محتوياتها الإخبارية الصادقة ذات طابع عام يتلاءم مع الاحتياجات الإقليمية والعالمية لذلك الجمهور الغفير، وحاولت وسائل الإعلام السعودية عبر جهود حثيثة، استدراك تلك العمومية بإنشاء مراكز إقليمية لها للاقتراب أكثر من جمهور المناطق التي تكون فيها هذه المراكز، لتصبح المادة الإعلامية (الإخبارية) صديقة لبيئتها البشرية الخاصة.
ولنجاح ذلك الأمر الذي أدى إلى جذب جماعات كثيرة لمتابعة الأخبار، عملت من ناحية أخرى الصحف السعودية المطبوعة على الالتزام بما هو محلي فيما يخص النواحي الوطنية والإنسانية والبيئية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ما يعنى أن الصحف السعودية المطبوعة بقي لها مكاناً معتدلاً، ما زال يقبل عليه الكثير من أفراد المجتمع السعودي.
وقد اختلفت العديد من دول العالم في طريقة تعاملها مع التربية الإعلامية، فهناك دول متقدمة رُسِّخ فيها نظام التربية الإعلامية بوضع أسسها وموجهاتها العامة ومنهاجها، لذلك حرصت المملكة ممثلةً بوزارة التربية والتعليم على الأخذ بمبدأ المبادرة، في نشر مفهوم التربية الإعلامية على مستوى قارة آسيا والخليج العربي، من خلال احتضان المملكة المؤتمر الدولي الأول للتربية الإعلامية الذي عقد على مدار (4) أيام بدءاً من الرابع عشر من شهر صفر عام 1428هـ بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات بمدينة الرياض، وكان لذلك المؤتمر الرائد أكبر تأثير في مجال التربية الإعلامية بمنطقة الشرق الأوسط، على مستوى كافة المشاركين ممن مثلوا قيادات تربوية وإعلامية وثقافية من مختلف دول العالم، أو في تعداد حاضري المؤتمر وزواره الذي تجاوز (3) آلاف مشارك.
وذلك المؤتمر نُظِّم بالتعاون مع العديد من المنظمات الدولية، كالمنظمة الدولية للتربية الإعلامية ومنظمة اليونسكو، وجامعة برشلونة ومركز مزار للأبحاث ومحور العاصمة الدولي لتنظيم المؤتمرات، وقد شمل المؤتمر عدداً من المسارات وورش العمل المتخصصة، ومعرض لتقنيات الاتصال والتعليم.
وفي ختام المؤتمر شمل بيانه الختامي عدة توصيات مهمة، منها ضرورة الاهتمام بمفهوم التربية الإعلامية، بكل مراحل العملية التعليمية المختلفة، ويقترح ضرورة اعتماد مقرر التربية الإعلامية ليكون أحد المقررات، التي يتم تدريسها بمراحل التعليم العالي، وبما يتوافق مع القيم والثوابت الدينية والوطنية والأخلاقية، إضافة إلى حث الجهات المعنية بالتربية كل من القطاعين «العام والخاص» على تشجيع المبادرات العلمية ذات الطابع الإعلامي التربوي على المستوى الوطني، والإفادة من كافة التجارب في مختلف مجالات التربية الإعلامية.
وتعد منصة «توق» الإعلامية السعودية، من أهم المنصات التي قدمت مشاريع بحثية وخدمية كبيرة، عبر خدمة المحتوى والإصدارات المختلفة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية وغيرها من اللغات الأخرى، وهي في سبيل ذلك وظفت إمكاناتها البحثية المتطورة ذات الجودة العالية حسب المواصفات المطلوبة من قبل العملاء والمتابعين، وبما يحقق رؤيتهم وأهدافهم، ومن أهمها إعداد البحوث والدراسات والاستشارات المتخصصة وتطوير المبادرات والترجمات اللغوية والتحريرية، والإصدارات المتخصصة وتنظيم الفعاليات والرصد الإعلامي.
وحول إعداد البحوث والدراسات، قامت توق بتوجيه نخبة منتقاة من ذوي الكفاءات العلمية والمعرفية والمستشارين والخبراء الدوليين بالشركة، نحو تقديم خدمات بحثية متكاملة، فيما يخص إجراء الدراسات والبحوث العلمية والاستقصائية وقياس الأثر وبحوث التطوير للشركات والمؤسسات المحلية والإقليمية، لتسهم في صنع القرار بمختلف القطاعات الاقتصادية الاجتماعية والتنموية، بجانب استقصاء منصة توق كل أوجه الحياة اليومية بدءاً من السياسة إلى الرياضة، ومن الاقتصاد إلى عالم الأزياء.
وذلك كله جعل توق تستوعب رغبة ما يزيد عن (160) مليون قارئ ومتابع ومشاهد بكافة أرجاء العالم، والمعلوم أن توق شركة إعلامية بحثية يقع مقرها الرئيسي بمدينة الرياض، وتعد من أهم شركات المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG) وتستمد توق رؤيتها من الإرث الإعلامي العريق للمجموعة ذات الخبرة الطويلة على مدار نصف قرن، حيث إنها لبَّت فيه احتياجات ملايين من القراء والمتصفحين والمشاهدين، على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وتصل إليهم عبر منصاتها الإعلامية الرقمية والتقليدية، وكان لها السبق في النهوض بأعمال الاتصال والإعلام ومتطلباتهما للقطاعات المختلفة، داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.
وتوق تقدم خدماتها المتكاملة في إنتاج الإصدارات المختلفة، مثل المجلات والنشرات الشهرية والدورية والتقارير السنوية، بدءاً من التخطيط والإعداد إلى الطباعة والنشر، انتهاءً بالتحرير الدقيق والإخراج والتصميم، كما تقدم الشركة خدمات لبناء الإستراتيجية لحسابات التواصل الاجتماعي وإدارة الحسابات ومحتوى المواقع الإليكترونية، بإعداد المواد والتقييمات المبتكرة وجدولة النشر ومتابعة النمو العددي والرصد والمراقبة والتحليل، وتوق شركة إعلامية عامة سجلت في الرياض وأدرجت بسوق الأسهم السعودية منذ أبريل عام 2006م، وقد احتلت المنصة مكانة بارزة في مجالات نشر الإعلام والتوزيع والطباعة في منطقة الشرق الأوسط.
ومصداقاً لكل ما تقدم وتأكيداً عليه، وفي المنتدى السعودي للإعلام الذي عقد بالرياض في العشرون من فبراير عام 2023م حيث تناول المنتدى عدة أمور تتعلق بكافة أشكال الإعلام (مرئي ومسموع ومطبوع ورقمي) وقام المشاركون فيه بتحديد ملامح الإعلام السعودي، لمواكبة التحولات البيئية، التي فرضت مشاهد مغايرة سواءً بالأدوات أو المضامين، حيث حددت وسائل تطوير الخطاب الإعلامي، وأداء المؤسسات والأفراد بما يتوافق مع توقعات الجمهور، بعد أن تحول مع التقنيات المعاصرة إلى عنصر مؤثر وفاعل في الصناعة الإعلامية.
ومن جانبه أكد محمد بن فهد الحارثي الرئيس التنفيذي لهيئة الإذاعة والتلفزيون، على أن التطوير لغة حتمية للعصر، وحالة عدم استجابة المجتمعات لذلك فستكون خارج التاريخ، كما لفت الحارثي النظر إلى أن أساس رؤية السعودية 2030 يُعد تطويراً للفرد، وأن الإعلام هو جزء أصيل بعملية التطوير، والرهان على صناعة المستقبل وتشكيل خريطته ورسم ملامحه، مضيفاً أن عالم اليوم بات أكثر وضوحاً عن ذي قبل، فإما «أن تبادر أو تغادر».
كما دعا الحارثي كافة المشاركون إلى أهمية القيام ببناء استجابة إعلامية واعية لمتغيرات المرحلة، ومن جانبهم استعرض المشاركون بالمنتدى الذي حمل اسم (الإعلام في عالم يتشكل) مرتكزات تطوير القطاع الإعلامي ومواكبته للمتغيرات، وعلى ضرورة إنشاء خطاب إعلامي حاذق ومتزن، يؤدي دوره بوضوح الحقائق دون تزيين أو تلميع.
ومن جانبه أيضاً شدد الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز وزير الطاقة، على أن المسئول يجب أن يكون بحالة إفصاح مستدام، لتعزيز الثقة مع الرأي العام، والإبقاء على الواقعية وفهم التوجهات المختلفة التي تتفق أو تختلف مع المسؤول، وأن الإعلام الصادق هو «مرآة المسؤول» معها يتوقف لفهم المحيط العام، وأن الانتقاد هو عملية تقييم لنشاط ما أو مسؤول ما، وإذا أُخذ النقد بهذه النظرة الإيجابية من طرف صانع الرسالة الإعلامية والمسئول من جهة أخرى، وبذلك تحقق المنفعة العامة، وأضاف سموه بأن المسؤول بحاجة لتوطين النفس، كونه يمثل الدولة قبل أن يمثل نفسه، وأن الأشخاص يتغيرون وقيمة المكان تبقى، وهو مسعى يلزم أي مسؤول بالتفكير قبل أن يتحدث.