د.عبدالعزيز الجار الله
الموقف السياسي والإعلامي الذي تنتهجه المملكة في قراراتها في سوق النفط أو عمليات الطاقة إجمالاً ينطلق من قناعات وسياسات عميقة وتاريخية راسخة في السياسات النفطية السعودية لأكثر من نصف قرن من التعاملات الدولية في قضايا الطاقة، أكد عليه ورسّخه هذا النهج مؤخراً وزير النفط سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان في حواراته الإعلامية، حتى أصبح لدى محاوريه قناعة في ثوابت المملكة، يوم الأحد 4 يونيو 2023 كان تأكيد وزير الطاقة السعودي واضحاً بل ساطعاً في إجاباته في المؤتمر الإعلامي واللقاءات الجانبية على الأسئلة وتأكيده على موقف المملكة الواضح وهو : المحافظة على استقرار أسعار وسوق النفط، والنظر إلى الطاقة إجمالاً الغاز والنفط وغيره إنها سلعة إستراتيجية يجب إبعادها عن المزايدات والمضاربات السوقية، وأن لا يمر النفط في تذبذبات كبيرة ينتهي بفوضى وتدهور.
العالم يعيش اليوم أكبر أزمة حقيقية حيث يجر (الكون) إلى حرب عالمية وحرب نووية قد تدمر الأرض في لحظة جنون وعناد، حرب لن يخرج أحد فيها منتصراً بل الجميع سوف يخسر، دون رابح أو كاسب. فالحرب الأوروبية الروسية - (الأوكرانية بمساندة من حلف الناتو )، والمواجهة المرتقبة مابين أمريكا - والصين هي حرب مدمرة إن كانت حرباً نووية أو حتى تقليدية. لذا فإن صوت المملكة عبر تصريحات وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان: الثبات على منطق وقرار واحد وسياسات معالجة تنزع الفتيل وتضع العربة في المسار الحقيقي، أيضاً المحافظة على استمرار واستقرار تدفق النفط وقد وصلت الرسالة بلا مواربة ولا تأويل. الإعلام الغربي الأمريكي والأوروبي يحاول (عسكرة) النفط وجعله طرفاً في النزاع الروسي والأوكراني وتوريط الدول المنتجة للنفط للدخول كأطراف مباشرة في الحرب، والمملكة تتمسك بالحياد كدولة وسلعة إستراتيجية مستقلة.
كان الهدف من تخفيض المملكة التطوعي الإضافي، من أجل دعم الجهود الاحترازية التي تبذلها دول أوبك بلس لصالح استقرار أسواق النفط وثباته وتوازن الأسواق.
لذا أجمع المنتجون الرئيسيون للنفط في تحالف (أوبك+) على الخفض وتمديد الخفض الطوعي الحالي عبر تمديد خطة الخفض الطوعي للإنتاج التي تم الاتفاق عليها في إبريل الماضي لتنتهي في ديسمبر 2024 وهو إجراء احترازي.
المملكة أمام مسؤولياتها التاريخية اتجهت وطواعية إلى الحفاظ على مجموعة أوبك في ظل هذه المتغيرات التي يمر بها العالم من منحى خطر في تطورات الحرب الأوكرانية وخطر الدخول في حرب نووية أصبحت قريبة، ليس تهديداً بل مواجهة يدركها كل من الساسة والعسكريين.
من المفارقات، قبل حرب أوروبا 2022 كان الحديث في الغرب التوجه عن الاستغناء عن النفط، والتركيز على البدائل الغاز والكهرباء، لكن مع الحرب عاد النفط للواجهة من جديد وكأن العالم عاد لأوائل السبعينيات بعد حرب العرب وإسرائيل أكتوبر عام 1973 عند تحركت أسعار النفط للارتفاع ودخلت دول النفط بالدورة الاقتصادية الأولى، واليوم في عشرينيات هذا القرن نعيش أجواء عام 73م من تجاذبات وحرارة المناقشات، وكأن النفط للتو تم اكتشافه.