د. عبدالحق عزوزي
تعتبر الجامعة الأورومتوسطية بفاس واحدة من أبرز الجامعات في العالم ولي الشرف أن أكون واحداً من المؤسسين وواحداً من أعضاء مجلس إدارتها... وهي جامعة تتشرف بالرئاسة الشرفية لجلالة الملك محمد السادس، وقد قام بالمصادقة على إنشائها 43 دولة عضوة في الاتحاد من أجل المتوسط. وكل من يتابع أنشطة الجامعة لا يسعه إلا أن يعبر عن إعجابه الكبير لما تحقق في ظرف قياسي في مؤسسة تكوينية وبحثية تسعى لتكون صلة وصل بين ضفتي المتوسط وإفريقيا بل والعالم، وقاطرة تنموية للمنطقة ويكون لها مكانة في مصاف الجامعات الدولية الكبرى، خاصة وأن الجامعة تملك اتفاقيات جادة مع كبريات الشركات والجامعات والمؤسسات...
وتقوم الجامعة على تنمية المهارات والعلم والبحث والتنمية والابتكار، وهي هي المفتاح الذي يسمح لنا بفرص ربح معركة التنافسية، وبالتالي معركة العولمة؛ ويتطلب التحدي من هذا النوع اعتماد نظام تعليمي قوي وذي جودة، كما يتطلب رؤية واضحة في مجال التنمية التكنولوجية، وهذا هو الأساس لتحقيق الرفع من مستوى التنمية في بلداننا.
ولقد نجحت في السنوات الأخيرة الهند والعديد من المدن والجامعات الآسيوية في تطوير البحث العلمي والتكنولوجي، حيث مكنتها من تحقيق المستحيل وبموارد قليلة جداً مثل اليابان اللهم ما تعلق بالموارد البشرية وهو ما نملكه نحن أيضاً...
رئيس الجامعة هو الأستاذ مصطفى بوسمينة الذي نجح في ظرف قياسي من تحويل 50 هكتاراً من التراب والسهول إلى بنايات شامخة ومتعددة التخصصات حيث يتخرج منها مهندسون في اختصاصات متعددة ودكاترة في كل حقول العلوم... والأستاذ مصطفى بوسمينة هو واحد من كبار العلماء في الفيزياء في العالم الذي يملك العشرات من براءات الاختراع والحاصل على العديد من الجوائز العالمية وله اليد الطولى في خلق العديد من المختبرات الكبرى خاصة في أمريكا الشمالية.
حضرت منذ أيام محاضرة قيمة أعطاها الأستاذ مصطفى بوسمينة في رحاب الجامعة عن «الوقت»، وهي محاضرة نالت إعجاب الحاضرين وعرف المدرج صمتاً كلياً، والتجربة علمتني أنه كلما كان هناك صمت مطلق في المدرج ما عدا محاضرة المتدخل، وعندما لا يحس الحضور بمرور الوقت فإن ذلك عنوان لنجاح المحاضرة... وموضوع المحاضرة من المواضيع التي أثارت الكثير من المداد، ووضعت انطلاقاً منها العديد من المعادلات وبها وصل الناس إلى القمر وتم اختراع كل ما يساهم في تطور البشرية...
ويعتبر كما هو معلوم مفهوم كل من المكان والزمان من أهم المقولات التي توقف عندها الفلاسفة والعلماء بحثاً عن حقيقتها، إذ يبين لنا تاريخ العلم وكذلك تاريخ الفلسفة تلك المكانة التي أعطيت لهما. فإذا كان نيوتن قد أضفى عليهما صفة الإطلاق فإن النظرية النسبية مع أينشتاين توصلت إلى إثبات نسبيتهما، مما جعل نظرة العالم والفيلسوف إلى الكون تتأثر بهذه المفاهيم النسبية. لتشكل نتيجة ذلك مواقفا فلسفية جديدة. مما جعل غاستون باشلار مثلاً يعلن عن قطيعة ابستمولوجية أحدثتها نظرية النسبية مع نظرية نيوتن في الفيزياء.....
نحن الجامعيون والأكاديميون عندما نكون محاصرين في مسؤوليات ووظائف إدارية لا متناهية نجد راحتنا عندما نعطي محاضرات أو ندرس طلبتنا العلوم، وأنا شخصياً عندما أكون متعباً فإن هذا التعب يزول بمجرد أن تلج رجلاي رحاب المدرجات لإلقاء المحاضرة والتجاوب مع الطلبة؛ نفس الشعور عبر عنه الأستاذ مصطفى بوسمينة في محاضرته؛ إذ عبر أن رئاسته للجامعة الأورومتوسطية لفاس ورئاسته في نيروبي في كينيا ل (ASRIC)(Conseil africain des sciences et de la recherche et de l›innovation) وغيرها من المهام الدولية لا يمكنها أن تعوض سعادته ونشاطه كأستاذ جامعي، فهي مهنة نبيلة لأنك تكون أجيال المستقبل وتعيش مع طلبتك والباحثين في رحاب العلم والمعرفة والبحث العلمي، ولأنك تبني جسوراً صلبة توقف مد الجهل، وقبل هذا وذاك، فالله عز وجل يرفع قيمتك، كما جاء في القرآن الكريم (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات).