أ.د.عثمان بن صالح العامر
هناك من يفسر النص أياً كان وحياً ربانياً، أو حديثاً نبوياً، أو بيتاً شعرياً تفسيراً يروق له هو، ويتوافق مع هواه ورغائبه الذاتيه، وانتماءاته الفكرية والحزبية، وربما الوطنية، أو من باب التملق والتزلف والتقرب والرياء والنفاق الاجتماعي، وقد يكون السبب الكامن خلف هذا التفسير الرغائبي البحث عن الشهرة والتسميع وقول (ها أنا ذا) حتى وإن كان ما قاله تفسيراً شاطحاً لم يقل به قبله أحد، ولا يقبله العقل، ويتعارض مع مسلمات الفكر، وحقائق التاريخ، ومنطلقات العلم وأبجدياته. ولعل من أعجب ما سمعت في الفترة الأخيرة ما كان من الدكتور زاهي حواس عالم الآثار المعروف ووزير الآثار المصري الأسبق في لقائه ببرنامج «بالخط العريض» مع الإعلامية إيمان أبو طالب، عبر قناة الحياة، من (أن منطقة المطرية كان بها أول جامعة في التاريخ، وتخرج منها سيدنا يوسف عليه السلام، وكانت مدينة أون مركز العلم والثقافة».
والأعجب من ذلك قول رئيس النواب الأردني أحمد الصفدي في حديث منقول عبر وسائل الإعلام العربية والعالمية الحكومية والخاصة وفي اجتماع رسمي مشهود من أن البلد الأمين الذي أقسم الله عز وجل به في سورة التين هو (العراق) وليس مكة، وقد صحح له في حينه وعلى الهواء مباشرة معالي رئيس مجلس الشورى السعودي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، مؤكداً بأن المقصود في قول الله تعالى «وهذا البلد الأمين»، مكة وليس العراق. وهو ما أجمع عليه علماء الأمة السلف منهم والخلف، ولا خلاف في ذلك.
لم يقف التفسير الرغائبي عند النص بل تجاوزه للأحداث والتوجهات والأفعال فصار بعض منا يؤسس على ما يسمع أو يقرأ ويرى حقائق واقعية يبني عليها مستقبله الشخصي جزماً منه بأن ما فسر به - حسب ما وصل إليه من معلومات - تفسير صحيح وليس رغائبياً سواء أكان هذا التحليل والتفسير تشاؤميا سوداويا أو أنه تفسير إيجابي موغل في التفاؤل الذي لا أساس له البتة ولا قاعدة صلبة متينة يقف عليها باتزان.
إن التفسير المنطقي العقلاني مطلب ملح خاصة في هذا الوقت بالذات الذي غالباً ما يصاحب الخبر أيا كان تحليل ناقله وتفسيره له حسب ميوله وأهواه، وهو - أي التفسير المنطقي المتزن - مسؤولية فردية يوجب على كل منا أن يمتلك أدوات ومهارات التحليل ومن ثم التفسير حتى يسلم من توجيه بوصلته الفكرية حسب رغائب الآخرين، أعني هنا أعداء الوطن الذين ينعقون ليلاً ونهاراً وعند كل حدث وفي كل موقف وقول ضد هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، ينتشرون ذئاباً إلكترونية في العالم الافتراضي ويفسرون كل ما يقع في مملكتنا تفسيراً رغائبياً عدوانياً، وذلك من أجل أن يسرقوا من العقول رشدها واتزانها، ويسلبوا من النفوس أمنها وطمأنينتها، ويرجفون ويخوفون ويرهبون ويرعبون من قادم الأيام، والأمر أوله وآخره، حاضره ومستقبله، ظاهره وباطنه بيد الله، وتحت قيوميته، ولن يحدث إلا ما أراد وشاء سبحانه وتعالى، ولنا قادة أفذاذ أولي عزم وحزم، إرداة وحكمة، -حفظهم الله وأدام عزهم-، ووقانا جميعا شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.