الموت حق.. ومن المؤلم أن يفارقنا إنسان عزيز على قلوبنا،نحبه كثيراً ونستشعر بألم الفراق به حين تختفي بسمته،وتتوقف ضحكته،ونفقد كلماته الحلوة،وتغيب جلساته التي تبث روح السعادة في النفوس والوجدان. فيغادرنا في حضرة الموت،أوالزائر الأخير.. هادم اللذات،ومفرق الجماعات،وميتم البنين والبنات..! دون سابق إنذار من دار الفناء،إلى دار البقاء.
فلا عجب إذاً أن الموت هو الحقيقة التي تقف أمامها البشرية عاجزة عن الهروب منه،وكما قال الله تعالى أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (78) سورة النساء، لأن الخلائق جميعا ما هي إلا ودائع وأمانات في هذه الدنيا فمتى ما انتهى أجلها أعيدت انطلاقا من قوله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (34) سورة الأعراف.
في الأسبوع الماضي تلقيت ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة الأخ العزيز.. والجار الغالي فهد بن عبد الرحمن أبو دبيك إثر نوبة قلبية- رحمه الله تعالى- وهو في منتصف عقده الرابع تعرض لها قبل ذهابه للمستشفى مع زوجته لظرفها الصحي تغمده الله بواسع رحمته.
والفقيد -غفر الله له- كان صاحب خلق رفيع وابتسامة دائمة واستقامة في القيم التربوية الأصلية والشيم الفضيلة.. بروحه الاجتماعية العالية فنال حُب الأقارب والأصدقاء والأحباب وكل من عرفه عن قرب.. لنُبل تعامله وإحساسه الإنساني المرهف وطيبة قلبه وسلامة سريرته وبشاشته العفوية التي دخل بها قلوب الأحباب والأصحاب بلا استئذان أو خجل..
علاقتي مع فقيدنا الغالي (أبوعبدالرحمن)- رحمه الله- بدأت منذ أكثر من ثلاثين عاماً بحكم الجيرة التي كانت تربطنا بهم في حي عتيقة الشعبي، هذا الحي القديم كان يسكنه في تلك الأيام الخوالي أهالي الرياض المعروفين عائلة البكر والعبيكان والحسين والحماد والعمير والسيف والسلامة والمرشد والجاسر وغيرهم من الأهالي المعروفين في الرياض. عرفته رجلا صاحب خلق رفيع يقابل الصغير والكبير بوجه مبتسم وقلب منشرح وروح تمتلئ الطيبة المتناهية.. اكتسبت شخصيته كثيراً من الصفات الإنسانية والاجتماعية من بساطة وابتسامة وكرم وجود وصبر وثبات وإيمان. فقد كان نموذجا للرجل البار بوالديه ويرعى شؤونهم ويتفقد أحوالهم خاصة بعد مرض الأب (أبو ماجد) ولازمه في المستشفى إلى أن توفي -رحمه الله- ثم والدته (أم ماجد) التي أصيبت بمرض ودخلت المستشفى أياما عدة ولازم والدته إلى أن توفيت- رحمها الله- فكان نعم الرجل الّبار بوالديه، وبعد وفاة والديه تولى رعاية إخوانه الصغار والوقوف مع شقيقه الأكبر ماجد - شفاه الله - الذي أصيب بمرض وكان يتردد على المستشفى وهو معه، وكان يتابع أحواله ويتفقد احتياجاته ولأسرته ضاربا أروع الأمثلة في قيم الترابط والتلاحم والتآلف والوفاء بين الإخوة. كان يحرص -رحمه الله- على زيارة الحي القديم عتيقة ما بين كل فترة ويقدم الصدقات وتلمس احتياجات الأسر المحتاجة بصمت ولا أحد يعلم عن هذه الأعمال الطيبة إلا الله سبحانه وتعالى، فكان يحرص عليها سراً بحثا عن الأجر والثواب وقبول العمل الصادق. وهي أعمال لاشك تنم عن قيم الإنسانية فضيلة،حيث كان يعمل في الشؤون الخاصة في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز- رحمه الله تعالى- ورغم مكانته الوظيفية لم تزده إلا تواضعا وأدبا وبساطة في التعامل وحبا للبذل والإنفاق والتصدق على المحتاجين بنية طيبة ونقاء سريرة روح سخية.. كان فقيدنا الغالي أبو عبدالرحمن حريصا على الصلاة في المسجد والمواظبة عليها ومقابلة الصغير والكبير بتواضع وخلق رفيع جُبل عليها من تنشئته التنشئة المباركة في طفولته التي عاصرتها إبّان ماكنا نسكن بجوار بعض قبل أكثر من ثلاثين عاما.
فما أصعب فراق الأحبة وفقدانهم الأبدي عن هذه الدنيا الفانية وما أصعب غيابهم عن نواظرنا وهم من كان يشكل قطعة من الحب والفرح والسعادة والبهجة في هذه الحياة، وإن غاب الجار العزيز (أبوعبدالرحمن) ورحل عنا وبات تحت الثرى،فإن ذكراه الطيبة وسيرته العطرة باقية ردحا من الزمن تتعطر بها الألسن التي عرفته عن قرب.
اللهم ارحم عبدك فهد أبو دبيك تحت الأرض واستره يوم العرض ولا تخزه يوم يبعثون. والحمد الله على قضائه وقدره.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- منصور بن محمد الدوس