د. محمد بن إبراهيم الملحم
احتل الحديث عن الفصل الدراسي الثالث مساحة التعليق المجتمعية خلال الأيام الماضية إثر صدور التقويم الدراسي للعام القادم ولم يتم إلغاء الفصل الثالث والعودة إلى الفصلين الدراسيين كما تأمل كثيرون. ولسان حالهم جميعاً يقول طالما إننا تذمرنا كثيراً، وطالما حدث تغيير وزاري، وطالما إن سنة كاملة مرت على هذه التجربة فنتوقع أن تتراجع الوزارة عن قرارها حول الفصل الدراسي الثالث، والواقع إن التراجع عن قرار استراتيجي مثل هذا لا ينبغي أن يكون بناءً على تذمر الناس أو أية متغيرات تطرأ دون أن تكون هناك دراسات دقيقة محكمة تقدم أرقاماً ومشاهدات علمية محكمة حول الأمر محل النظر من أجل إجراء مراجعة للقرار، ومع أني من مؤيدي الفصول الثلاثة لمافيها من مصلحة الطالب «التعليمية» حيث يختبر في كم أقل من المادة العلمية، إلا أنني لو كنت ضد قرار الفصول الثلاثة فسوف أقول نفس الكلام أعلاه فلا يجب أن يتم التراجع عن القرارات الاستراتيجية إلا بناءً على دراسة ومعلومات موثوقة وليس بناءً على رأي أو توجه محض، والأمر نفسه تماماً يقال أصلاً عن إنشاء قرار من هذا النوع فيجب أيضاً أن يبنى على دراسات متأنية وحكيمة، بل يجب أيضاً أن تعلن نتائج هذه الدراسات للملأ للاطلاع عليها والاطمئنان إلى جودة القرار الجديد والتعامل معه بإيجابية ودعم، خاصة إذا ما كان يمس حياتهم اليومية ومصالحهم المباشرة.
التراجع عن قرارات مثل هذا النوع يحتاج أيضاً جرعة من الجرأة فلا أصعب عند متخذي القرار من الرجوع عن قراراتهم التي قرروها بالأمس وافتخروا بقيمتها الإيجابية الكبرى ثم يعودوا اليوم معترفين أن تصورهم ذلك لم يكن موفقاً، وهذه إشكالية اجتماعية تحكمها عادات وتقاليد وثقافة كل مجتمع، وأعرج هنا على خبر انتشر اليومين الماضيين أيضاً في هذا السياق ذاته حينما تراجعت وزيرة التربية السويدية عن قرارها السابق بتعميم التقنية على كل الطلاب بحيث تكون الدراسة من خلال الأجهزة اللوحية والتي تحتوي كل الكتب، وتكون الكتابة أيضاً فيها، أي أن الطالب لا يحمل كتاباً ولا دفتراً، وهو ما تسبب في عدة أمور، بعضها يتعلق بصحة الطلاب من خلال طول مدة نظرهم إلى الشاشات خلال اليوم خاصة أنهم سيستخدمونها أيضاً في البيت إضافة إلى مدة استخدامهم لها طوال فترة الحصص الدراسية بالمدرسة، وهذا الأمر أشارت إليه تقارير بحثية قدمها بعض الأطباء السويديين المهتمين بالموضوع، والأمر الآخر هو تراجع المستوى التعليمي للطلاب والذي لوحظ من قبل الجهات التعليمية وكذلك الوالدين وخاصة مهارة الكتابة، ولذلك تقرر التراجع عن هذه الأجهزة وتخصيص ميزانية لطباعة الكتب من جديد. هذا التراجع عن القرار في الثقافة الغربية لا يترتب عليه نقد اجتماعي لمتخذ القرار كما يحصل لدينا في ثقافتنا العربية حيث سيف النقد والتجريح (أو الشماتة) هو المتحدث الأول في مثل هذا الموقف مع الأسف.
أعود إلى قرار الفصول الثلاثة، وأذكركم بأربع مقالات في عمودي هذا تحدثت فيها عن التقويم الدراسي نشرت بين 20-4-2023 و11-5-2023 وقدمت فيها تقويماً مقترحاً لثماني سنوات قادمة، كما وضحت فيها أضرار إجازة نهاية الأسبوع المطولة، ومشكلة قصور الإجازات بين الفصول على أسبوع (حيث ينبغي أن تكون أطول من ذلك)، ووضحت ضرورة أن تكون نهاية الإجازة هي يوم خميس وبداية الدوام هي يوم أحد ليتم تجاوز السلوك السائد في سلب بعض الأيام والتغيب الجماعي عن الدراسة إذا كان ما تبقى على نهاية الأسبوع هو يوم أو يومان فقط. كما انتقدت إجازة منتصف الفصل الدراسي التي توجد أحياناً (وقد ظهرت في تقويم السنة القادمة مع الأسف) وكذلك جعل إجازة نهاية الأسبوع المطولة يومين، وطالبت أن يكون رمضان كاملاً إجازة، كما نوهت إلى أن إجازة العيد لا يلزم أن تكون أكثر من ثلاثة أيام هي التي يحتفل الناس فيها بالعيد، وأعتقد أن هذه الأمور هي أولى بالبحث من مسألة وجود فصل ثالث أو عدمه. ولو ألغي الفصل الثالث مثلاً وظلت هذه الملامح فسوف تظل آثارها السلبية على الطلاب بدون شك. عموماً كلنا أمل أن تطل علينا الوزارة بدراسة شاملة تستجلي فيها آراء المختصين والمهتمين وعينات من أولياء الأمور وكذلك الطلاب لتستخلص من ذلك كله استنتاجات رصينة حول كيف يكون التقويم الدراسي لدينا من أجل دراسة ذات إنتاجية أفضل.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً