مها محمد الشريف
المصالح قد تتعارض مع بعضها البعض ويختفي التضاد بينها تدريجياً، وتتوارى بعض الحقائق التي تبدو كمعجزات، فبعض المؤشرات تدل على أن الاقتصاد العالمي ربما يتفادى أزمة ركود عميق أو كساد، إذ لا بد من العودة إلى علائق توازن القوى، وهذا التوازن يشير دائماً إلى رؤية المتغيرات التي تحدث وإدراك تحولها، فمعدلات ارتفاع التضخم على وشك التباطؤ في دول منطقة اليورو والاقتصاد الأميركي «أكبر اقتصاد في العالم» لم ينزلق بعد إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي. وجاء تصريح رئيس الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي» الأميركي جيروم باول بأن البنك لن يستمر في رفع سعر الفائدة حتى «يشل» الاقتصاد مطمئناً.
وذلك مؤشر أدى إلى توجه لدى البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة حول العالم بالبدء في تغيير مسار تشديد السياسة النقدية «ورفع أسعار الفائدة وسحب السيولة من السوق» بهدف وقف ارتفاع معدلات التضخم، وهناك موجة كبيرة من إبرام الاتفاقيات التي تقاوم «دولرة» المعاملات ومساعي لتبادل الصادرات بالعملات المحلية.
إذا قيل أن هناك تغييراً ما، فهذا يعني (ربما) أن أشياء سوف تحصل، ولن تستمر في وجودها بنفس حالاتها السابقة، فقد تصاعدت المطالب لإنهاء هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، وذلك بعد أن ارتفعت قيمته أمام العملات الأخرى بقوة خلال العام الجاري، ويعتبر هؤلاء هذا الهدف كافياً بحد ذاته، بينما لا يرى فيه البعض الآخر سوى مرحلة من أجل غاية أبعد من ذلك، وصدر عن بلومبرغ، أن الانتفاضة العالمية تتصاعد ضد هيمنة الدولار الأميركي وعلى المعاملات المالية الدولية، حيث أبرمت البرازيل والصين مؤخراً صفقة لتسوية التجارة بينهما بعملاتهما المحلية، في محاولة للتحرر من هيمنة الدولار على الصادرات المتبادلة بينهما.
كما وقعت الهند وماليزيا خلال أبريل الماضي اتفاقاً لزيادة استخدام الروبية في التجارة العابرة للحدود، وعلى نفس المنوال تبعتها فرنسا -الحليفة الدائمة للولايات المتحدة بدأت في تسوية معاملات تجارية باليوان، علماً أن الصين لها مساع تؤكد تعزيز دور اليوان في النظام المالي العالمي وتوسيع نطاقه ومقاومة هيمنة الدولار كأحد أبرز أولوياتها.
ورغم كل المخاوف بشأن فقدان الدولار الأميركي لشيء من هيمنته في التجارة وعالم التمويل على الساحة الدولية، فإن وكالة «موديز إنفستورز سيرفيس»تقول إن العملة الأميركية من المرجح أن تحافظ على مكانتها رغم كل التحديات، وكتب محللو «موديز» في مذكرة بحثية «نتوقع ظهور نظام نقدي للعملات متعدد الأقطاب خلال العقود القليلة المقبلة، بقيادة الدولار نفسه كون العملات المنافسة ستكافح لمحاكاة نطاق استخدامه وسلامته وقابليته للتحويل بالكامل».
بيد أن تعزيز النفوذ الاقتصادي لـ»بريكس» سوف يظهر تحت عنوان طابع التغيير قادم، وتكثيف الجهود لفك الارتباط بالدولار مستمر بلا هوادة في البلدان النامية بالعالم، وناقش وزراء خارجية مجموعة دول «بريكس» كيف يمكن للتكتل تعزيز نفوذه عالمياً، وإنشاء عملة مشتركة، قد يكون واقع لا تتمكن من تحقيق غايته.