عبد الله سليمان الطليان
ليست اختبارات الذكاء مجرد نتاج الجهود الأكاديمية والأبحاث العلمية أو حتى التحيزات السياسية والاجتماعية السائدة بل هي بالإضافة إلى ذلك. نتاج صناعة نشر وتسويق وصناعة الاختبارات بهذا المعنى عملية تجارية تدخل فيها اعتبارات الربح والخسارة, فمنذ وقت مبكر يرجع لاختبارات ستانفورد بينيه تحول القياس النفسي إلى صناعة أمريكية تقدر بعدة ملايين. فقد أغرى نجاح تطبيق الاختبارات في الجيش العديد من الشركات بإنتاج اختبارات مشابهة لاختبارات الجيش وترتبط ولو بشكل سطحي ارتباطاً عالياً بمقياس ستانفورد بينيه ويمكن تطبيقها بشكل جماعي في وقت قصير.
في الوقت الحالي، يقدر حجم صناعة الاختبارات بمئات الملايين من الدولارات، فقد قدر هارولد مكفروهيل المدير التنفيذي لواحدة من أكبر دور النشر في العالم - حجم سوق الاختبارات بما يزيد على 2 بليون دولار. ويعبر هذا عن تنامي حجم هذه الصناعة التي تشمل تقديم خدمات تصميم الاختبارات وتطبيقها، وخدمات تفسير النتائج والاستشارات, القطاع واسع في المجتمع يمتد من المدارس الأولية وحتى شركات التكنولوجيا المتقدمة. هناك مؤسسة في صناعة القياس التي أسست العام 1947 في أمريكا. وعلى مدى ما يقرب من 60 عاماً نمت هذه المؤسسة لتصبح مؤسسة عملاقة تبلغ ميزانيتها السنوية مبلغ 900 مليون دولار، ويعمل بها 2700 شخص منهم 240 شخصاً حاصلون على الدكتوراه. وقد قامت هذه المؤسسة بعمل ما يزيد على 20 ألف مقياس وأداة قياس أخرى. اكتسبت هذه المؤسسة بعداً دولياً إذ أصبحت تقدم خدماتها من خلال فروع في ما يزيد على 180 دولة حول العالم. وتنبع أهمية المؤسسة من خلال إصدارها وتطبيقها مجموعة من الاختبارات التي تطبق ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن في العديد من دول العالم مثل اختبار اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية TOEFL واختبار سجلات التخرج GER واختبار القبول في الدراسات العليا في الإدارة GMAT. أما أهم هذه المقاييس فهو اختبار الاستعداد الدراسي (Scholastic Aptitude Test (SAT المستخدم في تقييم الطلبة المتقدمين للالتحاق بالجامعات الأمريكية.
وقد وجهت العديد من أوجه النقد لهذه المؤسسة. حيث تنصب معظم الانتقادات على كون المؤسسة أصبحت أكثر اهتماماً بالربح المالي - رغم كونها مؤسسة غير هادفة للربح - على حساب البحث العلمي ودقة الاختبارات التي تنتجها، كما يوجه النقد في هذين العملين إلى مشاكل اختبارات المؤسسة وإلى كونها تحدد مسار حياة مئات الآلاف من الطلاب سنوياً على الرغم من كونها اختبارات متحيزة ثقافياً وعرقياً ضد الطلاب الملونين الذين ينتمون إلى أقليات عرقية أو ثقافية أو المهاجرين الجدد. وعلى الرغم من التعديلات التي تدخلها المؤسسة في اختباراتها من آنٍ إلى آخر يوجه إليها النقد لكونها تنتج اختبارات تقليدية لا تقيس القدرات الحقيقية للمختبرين. وواقع الأمر أن الانتقادات التي توجه إلى ETS تعتبر نموذجاً للانتقادات التي توجه إلى المؤسسات المنخرطة في صناعة الاختبارات، إلا أن ثمة انتقاداً آخر وربما أخطر يوجه لهذه المؤسسات وللاختبارات التي تنتجها وهو اتهامها بالفصل بين تكنولوجيا القياس من ناحية والتطورات العلمية من ناحية. فالتطورات الحديثة في دراسة الذاكرة والتعليم وإستراتيجيات التفكير لا تنعكس بشكل مباشر في اختبارات الذكاء نتيجة لأن المؤسسات القائمة بإنتاج هذه الاختبارات - مدفوعة بقوى السوق وحسابات المكتب والخسارة - تسعى إلى إشباع رغبات المستهلكين تلك الرغبات التي تحددها الاختبارات.