خالد الغيلاني
ومع الاختلاف بين الفلاسفة مَنِ الأحقّ بكانط هيجل، أم شبونهاور؛ فيرى فريقٌ أن شوبنهاور هو الأقرب إلى فلسفة كانط خاصة فيما يتعلق بكتاباته في الإرادة التي تبعه فيها نيتشه ليدعي بعدها إلغاءه تماما ومن بعده يأتي هايدجر، إلا أن الموضوع الذي استولى على الفلاسفة النسويين في كلا الشخصيتين أعني هيجل، وشوبنهاور هو موضوع المرأة فشوبنهاور كان يحط من المرأة حطًًّا شديدًا حتى أن والدته انتقدته فيما يكتب، وكان بعضهم يفسر هذا النزوع الغريب عنده بسلوك والدته، ومؤلفاتها الرومانسية أما كانط فالغريب أن نظريته في العلاقة بين المرأة والرجل تعد قريبَةً جدًا من التفسير الفقهي الإسلامي مع إصراره على بقاء المرأة في المنزل وترك العمل الخالص للرجل ليجد بعد ذلك راحته عندما يعود إليها، إلا أن هيجل خالف الفيلسوف الكبير كانط في تحديده القانوني للعلاقة بين الرجل والمرأة ليضفي عليها طابعًا أخلاقيًا، إلا أنه مع ذلك لا تخلو آراؤه من خلق توتر لدى الفلاسفة النسويين فهيجل مع المرأة الحبيبة غير هيجل مع المرأة الزوج حيث نجد في المرأة الحبيبة صورة التساوي أكثر وضوحًا عندما يتعرف الواعي الساكن في أحدهما إلى الآخر ويكملان بعضهما بعضًا ويشتركان في تملك الوجود أما في المرأة الزوج فإنها صورة أكثر ضيقًا وتقترب من المفهوم الإسلامي عندما تكون جسدًا ووظيفةً أعضائية وبالنسبة لهيجل فإن الجندر السياقي للمرأة يتحدد في أمرين إما أن تكون أماً أو شريكًا جنسيًا ويرى فريق أن Karoline Schelling زوج الفيلسوف فريدريش شيلينج أحد أعضاء الرومانسية الألمانية التي سادت في القرن الثامن عشر قد ألهمت هيجل الكثير من الأفكار خاصة فيما يتعلق بالمساواة وبحق يعتبر عصر هيجل مقارنةً بما سبقه من الأزمنة ثوريًا خالصًا.
إن الوضع المزري الذي وجدت فيه المرأة في العصور المتعددة وخضوعها للأنظمة الدينية المجحفة جعل بعض المؤلفين يضع كتابًا اسمه «Dose god Hate women» وقد نتفق مع المؤلفين في أكثر القضايا المطروحة ونختلف معهم في بعضها إلا أن الأهم أن الصورة النمطية للتعامل مع المرأة ولدت مفهومًا خاطئًا عن الدين وأن الوضع الذي وجدت فيه المرأة هو ما يريده الله وجرَّ كَثيرًا من الشباب إلى الإلحاد وتضخم المظاهر النسوية الحادة بشكل مستفحل. وعندما حدد كانط بأن فضيلة المرأة فضيلة جميلة وأن فضيلة الجنس الذكوري فضيلة نبيلة فمع كل الدعوات العقلانية فلا أعتقد أن المرأة ستحب من رجلٍ أن يطريها بعقلها دون جمالها أو أنوثتها وهذا ما يجعلنا نقف في المنتصف أو لنقل بعبارة أخرى إن المرأة عندما تريد أن تستحوذ على جميع الفضائل التي هي عقلية وجميليَّة يكاد يكون ذلك متعسِّرًا ولو فرض ووجد بعض النساء العقليات الخالصات؛ فإن أكثر النساء بالطبع يتميزن بقدرات عقلية عالية ولكن يظل الجمال هو محور اهتماهن الأول وهو مشاهد في حياتنا اليومية. وإذا كان هناك كثيرون معجبون بالفيلسوف الألماني نيتشه، وأولهم الفيلسوف الهندي المعروف إقبال حتى ذهب بعض المفكرين إلى عقد مقارنة لطيفة بين الاثنين؛ لكن أغرب الغريب في هذا الفيلسوف هو احتقاره الشديد للمرأة على الرغم من أن أمه كانت سيدة متدينة، وأخته كانت من أقرب الناس إليه، وأحناهم عليه، وهو لا يتحاشى أن يطلق أوصافا غريبة على النساء في كتابه «هكذا تكلم زرادشت: «بأنهن قطط وطيور وأبقار، وأنهن لسن أكثر من أوعية للحمل، وأن دورهن في الحياة مجرد الترفيه عن الرجال المقاتلين، وأنهن ينشغلن بالرقص، وأدوات الزينة، والكلام الفارغ، والعواطف البلهاء».
ومن أقواله: «نصيحتي إذا ذهبت إلى امرأة فلا تنسى أن تأخذ معك سوطك»، ويذهب إلى القول بأن الشرقيين محقون لأنهم ينظرون للمرأة كقطعة تُباع، ويذهب الفيلسوف الإنجليزي بتراند راسل في تفسير هذه الني تشويه الغريبة والانحراف السلوكي لضعف شخصيته، وعدم قدرته على السيطرة على المرأة، وربما علاقته المشوشة مع لو أندرياس، وكانت كاتبة ومحللة نفسية اشتهرت بعلاقتها المتعددة مع كبار مفكري عصرها وقد عرض عليها نيتشه الزواج أكثر من مرة وكانت ترفضه في كل مرة حتى ابتعدت عنه فدخل في أزمة عقلية حادة وقال ما قال عن المرأة وهناك فلاسفة كثيرون قاربوا نيتشه الرأي؛ فلم لم ينفرد وحده بهذه المقولات؛ فأرسطو المعلم الأول لا يقل كراهية عنه للمرأة، وجان جاك روسو يقول بعظمة لسانه إن كان للسان عظمة: المرأة لم تُخلق للعلم، ولا للحكمة، ولا للتفكير، ولا للفن، ولا للسياسة، وإنما خلقت لتكون أماً تغذي أطفالها بحليبها، وشوبنهاور لا يراها أكثر من نملة تفقد جناحيها بالمعاشرة، وقد انتقلت هذه العدوى الغربية إلى مفكرين عرب كبار كالعقاد، وأنيس منصور فناصبوا المرأة العداء، ولو ذهبنا لنبحث عن تفسير لهذا الأمر؛ فسنجد أن المشتغل بالقضايا العقلية مستغرقًا فيها وقد أعطاها جل وقته تجده غالبا ما يكون فاشلا في العلاقات العاطفية لأنه يرى المرأة خالية من كل ذلك مهتمة بأمورٍ كالزينة، والرقص وهي أمور لا ترقى إلى احترام العقل في نظره هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن من يتعلق بشيء ويجد نفسه فيه تماما يكره النقيض الموجود في الآخر، والفلاسفة استنفدتهم مسائل العقل، والحكمة، ونقيضها كثير ومعروف في مجتمع النساء فكرهوا تلك المتعلقات، ومن مقتضى ذلك أيضاً كره المرأة التي هي محل لها؛ فلم يروها أكثر من وعاء جميل يضع الرجل فيه نقوده الذهبية كما يقول كانط، وهو رأي مخالف الصواب، ولكنه القصور الإنساني عندما يلم بجزئية معينة ويجعلها معيارًا لفهم الوجود، وتقرير حقائقه الكبرى، والصغرى؛ فتراه ينظر من منظار متطرف حدي أحادي يقضي على التنوع الإنساني في كل صوره.