رضا إبراهيم
تكملة للمقال الأول، نود الإشارة إلى أنه ونظراً لما له من وسائط اتصال كبيرة، تمكن الإعلام من القيام بدور أساسي بالعمليات الاجتماعية والنفسية والثقافية، التي على ارتباط وثيق بحياة الفرد اليومية والجماعات والمجتمعات أيضاً، وقد استثمر الإعلام بشكل فاعل بكافة الدول وبالأخص النامية منها. إذ يتم النظر إليه بجدية كأحد أهم الوسائل، التي تساهم في تحقيق التسارع التنموي بالانتقال من المجتمع (التقليدي) إلى المجتمع (الانتقالي) انتهاءً بالمجتمع (الحديث) عبر التأثير بمعتقدات الأفراد وتغيير سلوكياتهم، ويمكن إحداث هذا التغيير بكل نواحي الحياة سواءً كانت عملية أو تعليمية أو إنتاجية أو ثقافية أو غيرها.
وبالحديث عن الإعلام السعودي الحديث، ونجاحه في العمل بمبدأ الشفافية والوضوح فهو تمثل في إطارين الأول «تنظيمي» والثاني «ثقافة الممارسة» ويمكن تقسيم الإطار التنظيمي لممارسة الإعلام بالمملكة عبر مرحلتين تاريخيتين، الأولى كانت قبل صدور لائحة تنظيم النشر الإلكتروني، والثانية ما بعدها من خلال إطارين هما (عام وخاص)، حيث تمثل الإطار الخاص عبر لائحة النشر الإلكتروني، الصادرة عن وزارة الثقافة والإعلام بداية عام 2011م وتسمى الإطار الخاص، كأول لائحة لتنظيم النشر وتتناول التطبيق الإعلامي، بواسطة الرسائل النصية القصيرة.
حيث تتكون اللائحة من (19) مادة، تحدد المادة الأولى منها تعريفات للمصطلحات المستخدمة فيها، والقيمة المضافة بتلك المادة أنها عنت بتقديم تعريفات لكثير من التطبيقات المستخدمة بالإعلام السعودي الجديد، مثل النشر الإلكتروني عبر استخدام وسائل التقنية الحديثة في بثِّ أو إرسال أو استقبال أو نقل المعلومات المكتوبة والمسموعة، سواءً كانت نصوصاً أو مشاهدات أو أصواتاً أو صوراً ثابتة أو متحركة بهدف التداول.
إضافة إلى الصحيفة الإلكترونية، وهي عبارة عن مواقع إلكترونية ذات عنوان ثابت، تقدم خدمات النشر الصحفي على الشبكة أي «المواقع» التي تنشر الأخبار والتقارير والتحقيقات والمقالات وغيرها من المواضيع الأخرى، الصادرة في مواعيد منتظمة أو غير منتظمة، بجانب المنتديات وهي مواقع إلكترونية تسمح لأعضائها بطرح مواضيع متنوعة، والتفاعل فيما بين الأعضاء عبر عدة إجراءات، يحددها نفرُ من المسؤولين عن تلك المنتديات.
وهناك أيضاً المنتديات، وهي تطبيق من تطبيقات الإنترنت، تتألف من مذكرات ومقالات ويوميات وتجارب شخصية أيضاً، أو وصف لأحداث مهمة. إلخ، من خلال النص المكتوب أو الصوت أو الصورة، مع إمكانية التفاعل مع كل ما يكتب عبر التعليقات، ولا يجب نسيان ما قدمه الإعلام السعودي من وسائل البث عبر الهواتف الجوالة، سواءً بالرسائل أو الأخبار أو الإعلانات أو الصور أو غيرها، والبث على الهواتف الجوالة للرسائل القصيرة وذلك عبر خدمتي (mms - sms) الشهيرتين وغيرها من الخدمات التي ساعدت على إرسال الأخبار والإعلانات.
وقد ألزمت المادة (5) الحصول على ترخيص لممارسة نشاط ضمن (6) من تطبيقات الإعلام السعودي الجديد، تتمثل بالصحافة الإلكترونية ووكالات الأنباء الإلكترونية، ودار النشر الإلكتروني والمواقع الإلكترونية التابعة لوزارة الإعلام التقليدية، كالصحافة والإذاعة والتليفزيون والبث عبر الهواتف الجوالة، إضافة لبث الأخبار أو الإعلانات أو الصور عبر أي وسيلة أخرى، وبحسب المادة (6) فإن باقي التطبيقات، يكتفى بتسجيلها لدى إدارة الإعلام الإلكتروني بوزارة الثقافة والإعلام.
وأما المادتان (7 - 8) فقد حددتا شروط الترخيص والتسجيل، لكن الفقرة (8) بالمادة (18) نصت على شمول تطبيق أحكام اللائحة على كل ما يُنشر إلكترونياً، ليشمل من لم يستصدر ترخيصاً أو لم يسجل، بينما منعت المادة (13) من اللائحة الرقابة، لكن المادة (14) حددت المسؤولية عن النشر، وقامت المادة (15) بحصر مهمة التحقيق بالمخالفات التي قد تصدر.
ويجب الإشارة إلى أن تطبيق بث الأخبار عبر الرسائل النصية القصيرة، وردت في (3) قرارات، صدرت عن هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، الأول كان في الثاني من صفر عام 1425هـ، وتضمن الموافقة على تطبيق تقنية الدفع بالرسائل النصية القصيرة على شبكة شركة الاتصالات السعودية (stc)، والقرار الثاني صدر في الثامن والعشرين من رجب عام 1427هـ، وتضمن إقرار تعرفة مجموعة من الخدمات ضمن تطبيق (sms)وحددت التعرفة سعر مجموعة من خدمات المحتوى الإعلامي، ومنها تحديد سعر الاشتراك بخدمة المحتوي عبر الرسائل النصية القصيرة بـ (12) ريالاً شهرياً، وذلك السعر هو المعتمد بالخدمات التي تقدم الأخبار عبر الرسائل النصية القصيرة.
وفي الخامس عشر من صفر عام 1431هـ صدر القرار الثالث، وحدد آلية موحدة لإنهاء الاشتراك بخدمات المحتوى، عبر الرسائل النصية القصيرة، علماً بأن المبلغ المحدد من قبل الهيئة مقابل الخدمة، قُسِّم بين (3) أطراف أولها شركة الاتصالات مالك الشبكة التي تسمح بالارتباط بشبكتها، والثاني مُزوِّد الخدمة أي المسؤول عن إنشاء ودعم الجوانب الفنية، وبالأخص بوابة الرسائل القصيرة، التي من خلالها يجري تحرير وإرسال الرسائل، وعن الطرف الثالث، فهو برنامج على الحاسب الآلي وتكلف ما بين (10) آلاف ريال إلى (1) مليون ريال، على أن يتوقف الفارق في أسعارها على عدد الرسائل التي يمكن التعامل معها في الثانية الواحدة، والمؤسسة الإعلامية أو الشخصية الاعتبارية المسؤولة عن المحتوي نفسه.
كما استفادت وسائل الإعلام السعودية التقليدية، من كل التقنيات الحديثة، سواءً بجمع المادة أو إيصالها للمركز الرئيسي، أو بالتخزين من خلال ما يعرف بالأرشفة الإلكترونية، وإمكانية تنفيذ كل عمليات الإنتاج والإخراج بالحواسيب الإلكترونية، بجانب إمكانية طباعة الصحف ونقلها بشكل متزامن بمعظم أماكن المملكة، ولم يقتصر تأثير التقنيات الحديثة على جانب الإنتاج بالمؤسسات الصحافية فقط، لكنه أدى لإحداث تغيير بأساليب الملكية والإدارة وبسياسات غرف الأخبار، وبالحديث عن تدشين المواقع الإلكترونية للصحف الورقية السعودية، فقد دشنت صحيفة «الجزيرة» أول موقع إلكتروني لصحيفة محلية في شهر إبريل عام 1997م.
ثم أعيد تصميم وإخراج موقع الجزيرة بداية عام 2006م، ليشمل الموقع مجموعة من المواقع الفرعية، كنادي السيارات والجزيرة الرياضية والجزيرة الاقتصادية والكتاب، وموقع الجزيرة التعليمي والتسلية والمعلومات والأرشيف والبحث والمناسبات، ليوازي الملاحق الخاصة في النسخة الورقية، بجانب ما قدمه موقع الجزيرة الإلكتروني من خدمات، أتاحت للقارئ في أي وقت التحكم بخيارات العرض والطبعات ومركز النتائج والمعقب الإلكتروني، باعتباره دليلاً شاملاً للإجراءات الحكومية والتجارية، بجانب مواقع الإصدارات الشقيقة، وهي مجلة الجزيرة والمجلة الثقافية ومجلة العالم الرقمي.
وعلى غرار ما أقدمت عليه الدول الكبرى، قامت السعودية بانتهاج سبيل الدراسات المتأنية القائمة على تحرير الأخبار عبر توجيه الصحافيين والممارسين أو رؤساء غرف التحرير، نحو الإمساك بالأخبار المحلية ذات الطابع الحيوي غير الرسمية بصورة موسعة وجذابة ومبسطة، ثم إدخال تلك الأخبار في نطاق التقرير الميداني، الذي دُعم بالمعلومات الصحيحة والحوارات الهادفة والاستنطاق الفعال، والوصول إلى الأعماق، ما أدى لإثارة اهتمام القارئ المحلى وجذبه إليها بشدة، لما بها من إضافة مضاعفة ومثمرة.
واعتمدت الصحافة السعودية «جملةً وتفصيلاً» اللغة الواضحة وغير المتلبسة، التي قد تحور الحقائق وتقلب كيانها، ومفهوم الحقيقة تزامن مع الصدقية بالأخبار الصحفية السعودية، وبات موضع اهتمام كبير لدى مسؤولي الصحافة بالمملكة، ولتدعيم نمط الالتزام بإضافة الدقة والتأكد من الوقائع وأحاطتها بكل الجوانب المؤيدة لها، لأن الدقة مقصدٌ هامٌّ ومطلوبٌ عند اختيار المفردات والعبارات، والنقل الصحيح لكافة الوقائع مهما بدت، والدقة في مضمون الخبر أو المعلومة بالإعلام السعودي أصبحت مثبتة من المصادر الأساسية السليمة قدر المستطاع، لا من المصادر الثانوية التي التقطت الخبر أو المعلومة من فريق أولى، مثلما يحدث في نقل الاقتباسات والمقتطفات من شاهد ما أو شخصية ما، دون أية تحريفات أو نقائص أو أخطاء.
وكانت الدقة الإعلامية السعودية أيضاً في التثبت مرة، يتلوها مرة أخرى من تفاصيل الوقائع والمعلومات التي تصل إلى الصحافي أو الإعلامي، إضافة إلى التثبت من سلامة الوثائق والمستندات والمواد الرقمية التي توجد لديه، وعن النزاهة والإنصاف في الإعلام السعودي، فهي تمثلت في عدم إقحام رأي المحرر أو آراء المؤسسة الإعلامية بمواد الخبر، ولا التزامه أو التزامات المؤسسة الخاصة في تحديد مكان الخبر في النشر ومساحته، ونوع عنوانه والصور المرافقة له، أو الصور التي تم حجبها عنه.
وبذلك ارتبطت النزاهة بالعدل والإنصاف بالإعلام السعودي في عملية نقل أوجه القصة بالخبر، ما يعني عدم تقديمها فريق على آخر بالتصريحات المنقولة، أو بالشهادات أو بالآراء أو الرؤية إلى الأمور. إلخ، كما أصبحت نزاهة وإنصاف الإعلام السعودي ممثلة باحترام أي فريق داخل في قلب الخبر، وكل ما سبق أبقى الصحافي أو الإعلامي السعودي (وهو الأهم) فوق مستوى الشبهات، بعيداً عن المصالح الضيقة والإغراءات المادية، وترك كل ما يؤثر على صحة الخبر الموجه للجمهور.