محمد سليمان العنقري
أطلق سمو ولي العهد مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية وذلك بعد اكتمال الإجراءات التنفيذية للمرحلة الأولى تحقيقًا لمستهدفات رؤية السعودية 2030 في القطاع الرياضي، الهادفة إلى بناء قطاع رياضي فعَّال، وتمثِّل هذه النقلة الكبرى عهداً جديداً في صناعة الرياضة بالمملكة واقتصادياتها والتي يمكن أن تسهم بتوليد آلاف فرص العمل وجذب استثمارات بقطاعي الصناعة والخدمات المرتبطة بالرياضة بالإضافة للمساهمة بانتشار ممارسة الرياضة بكافة الألعاب بالمجتمع دعماً للصحة العامة وجودة الحياة فالاهتمام الرياضي واسع في المملكة ونسبة الشباب دون سن 30 عاماً تصل إلى 63 بالمائة وفق آخر تعداد سكاني كما أن سوق الإعلانات بالملاعب وكذلك تسويق متابعة الدوريات العالمية ضخم بالمملكة وهناك استهداف كبير من قبل صانعي الإعلام الرياضي للسوق السعودي نظراً للقوة الشرائية فيه واتساع الشريحة المهتمة بالرياضة عموماً وكرة القدم خصوصاً وهو ما يعني أنه من الأولى أن تكون الرياضة المحلية مستحوذة على حصة كبيرة من ما ينفق على الرياضة وإعلاناتها ومتابعتها بالنقل التلفزيوني.
ولكن في مشروع الاستثمار والخصخصة الذي أطلق حالياً تتضح معالم خارطة الطريق للنهوض بالصناعة الرياضية من خلال مستهدفات واضحة تمت تهيئة كافة الظروف والإمكانيات للوصول لها من الناحية المالية والتنظيمية وذلك لتحقيق عدة أهداف «كالوصول بالدوري السعودي إلى قائمة أفضل (10) دوريات في العالم» وهذا يعني أن الوصول لهذه المكانة يتحقق من خلال أنظمة للدوريات بأعلى معايير الاحترافية مع حماية للعلامة التجارية للأندية وزيادة بالمداخيل لها وتركيز على حوكمة تحد من الوقوع بالأخطاء التي تكلفها أموال طائلة واختيارات أفضل للاعبين وشروط جيدة بعقودهم تحمي الطرفين من خلال تطور بمفهوم التعاقدات وزيادة بالكوادر المختصة بمثل هذه العقود بالأندية فكلها عوامل تزيد باستقطاب اللاعبين الأجانب واكتشاف المواهب المحلية مما سيرفع من حجم الاهتمام الإعلامي والإعلاني بالدوري وبالمحصلة سترتفع إيرادات الأندية والاستدامة المالية التي ستكون معياراً رئيسياً بتقييم أداء إدارتها التنفيذية وسينعكس ذلك بتحقيق الهدف الثاني «بزيادة إيرادات رابطة الدوري السعودي للمحترفين من 450 مليون ريال إلى أكثر من 1.8 مليار ريال سنويًا» وهو بدوره سيساعدها على تطوير المسابقات والوصول لأفضل الممارسات المحققة لعدالة المنافسة واستقطاب الكفاءات لها بالإضافة للهدف الثالث وهو «رفع القيمة السوقية للدوري السعودي للمحترفين من 3 مليارات إلى أكثر من 8 مليارات ريال» وهو انعكاس لكل التحولات التي ستحدث بالأندية فنياً ومالياً وتنمية الأصول لديها وقد أعلن في المرحلة الحالية عن مسارين رئيسيين الأول هو الموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية، مقابل نقل ملكية الأندية إليها والذي تضمن نقل ملكية نادي القادسية لشركة أرامكو ونادي العلا للهيئة الملكية لمحافظة العلا ونادي الدرعية لهيئة تطوير بوابة الدرعية ونادي الصقور لشركة نيوم، كما تم تحويل أربعة أندية هي الاتحاد والهلال والنصر والأهلي إلى شركات يملك صندوق الاستثمارات العامة 75 % منها و25 % لمؤسسة غير ربحية تضم أعضاء كل ناد وتم الإعلان عن حوكمة آلية الملكية وكيفية اختيار مجلس الإدارة وعددهم وكذلك اختيار الإدارة التنفيذية وهو ما سيغيِّر جذرياً بطرق عمل هذه الأندية وستنتقل هذه الأساليب لبقية الأندية مما سيعزِّز من إيراداتها وتطور أدائها ويحد من الوقوع بأخطاء مكلفة ويقلل التقلبات بمسويات أدائها الفني لتكون المنافسة بين جميع الأندية بما يرتقي بمستويات الكرة السعودية وتنافسيتها خارجياً.
أما المسار الثاني فهو طرح عدد من الأندية الرياضية للتخصيص بدءًا من الربع الأخير من عام 2023م. فالمشروع يسعى لتحقيق ثلاثة أهداف إستراتيجية على المستوى الرياضي عامةً من خلال إيجاد فرص نوعية وبيئة جاذبة للاستثمار في القطاع الرياضي لتحقيق اقتصاد رياضي مستدام ورفع مستوى الاحترافية والحوكمة الإدارية والمالية في الأندية الرياضية ورفع مستوى الأندية وتطوير بنيتها التحتية لتقديم أفضل الخدمات للجماهير الرياضية، مما ينعكس بشكل إيجابي على تحسين تجربة الجمهور. فالتركيز سيكون على هدف الوصول بالأندية للمستوى الذي يساهم بدور فعَّال بالناتج الإجمالي من خلال الاقتصاد الرياضي وكذلك تحقيق أهداف برنامج جودة الحياة وسياحة اليوم الواحد من خلال وجود ملاعب تحقق أعلى درجات الراحة للجماهير وتتوفر بها كافة الخدمات وبجودة عالية، فإدارات الأندية ستركز مستقبلاً على استقطاب كفاءات تساهم بتطوير إيراداتها وخدماتها واستقطاب الجماهير لها، فالأندية عالمياً تحقق جلَّ إيراداتها من خمسة مصادر رئيسية هي الإعلانات والرعاية والحضور الجماهيري بالملاعب ومبيعات منتجاتها والنقل التلفزيوني واشتراكات الجماهير المشجعة لها، فزيادة الإيرادات من تلك المصادر تتطلب جهداً وكفاءة إدارية وتسويقية متقدِّمة، ولعل من العوامل التي نأمل أن تتطور وغالباً هو ما سيحدث التغيير للأفضل بالطرح الإعلامي الرياضي واستقطاب نقاد وإعلاميين على درجة عالية من المهنية لتنقية الساحة الرياضية من التعصب المفرط.
مشروع طال انتظاره ومرحلة جديدة ستحتاج لسنوات بكل تأكيد ليظهر أثرها وأبعادها بشكل واسع لكنها بداية أخذت بعين الاعتبار أهمية قطاع الرياضة وتوظيف الإمكانيات للوصول لكل الأهداف من نقل الأندية وتخصيصها بشكل عام المتمثلة بأن تتطور كافة الرياضات في المملكة بحلول عام 2030، وذلك «لصناعة جيل متميز رياضيًا على الصعيدين الإقليمي والعالمي، إضافة إلى تطوير لعبة كرة القدم ومنافساتها بصورة خاصة»، فهناك استحقاقات قادمة منها استضافة كأس أمم آسيا عام 2027 بالإضافة لدورة الألعاب الآسيوية عام 2034 وهو ما يتطلب تهيئة بنية تحتية وكذلك استقطاب مواهب تشارك بتلك البطولات مع وجود أندية على مستوى من الكفاءة لدعم نجاح توجهات الرياضة السعودية ومستهدفاتها.