عبدالوهاب الفايز
السؤال الذي يُفترض أن يأخذنا إلى القلق الموضوعي العلمي هو: كيف نحمي شبابنا من المهددات المعاصرة بأنواعها الثقافيه والسلوكية، ومنها الذي يبرز الآن: التجسس الاقتصادي والمالي؟
تمنيت أن أجد (استراتيجية وطنية واضحة حديثة للشباب)، بحيث تتضمن الأمور الحيوية المستجدة على واقع الشباب. وهذه الحاجة الماسة برزت بين الأولويات بعد إعلان نتائج الإحصاءات السكانية الأخيرة حيث شكلت نسبة السعوديين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً 63 %. هذه نسبة كبيرة تضع علينا مسؤولية عظيمة تجاه شبابنا المتطلع للحياة بإيجابية، والمستبشر خيرًا بمشروع بلاده الحضاري الكبير.
هناك برامج عديدة ضرورية لحماية شبابنا، حمايتهم من الانسلاخ الثقافي، وأيضاً من تسويق النماذج والمظاهر السيئة في التواصل الاجتماعي التي تكتسح حياتنا، والأهم: حمايتهم من مهددات الأمن الوطني، بالذات مخاطر (الاختراق والتجسس الاقتصادي). فشبابنا ينتشرون الآن في المواقع الاقتصادية والمالية، وفي الصناديق السيادية، وفي الشركات الكبرى.
تطرقنا الأسبوع الماضي إلى أهمية أخذ الشباب والمراهقين بعيدًا من تقليد النماذج التافهة التي تسود في فضاء الإعلام والبرامج والمسلسلات التلفزيونية وفي المناسبات الترفيهية، وقد فرحنا بوجود نماذج حية ومشرفة لشبابنا، نماذج تقدم روعة المنجز الوطني الذي تفخر به بلادنا، أي بناء الإنسان. هؤلاء انشغلوا بما ينفعهم وينفع بلادهم، فتفوقوا في برامج الفضاء، وفي ريادة الأعمال العصامية، ورأينا شبابنا يتألقون بين الموهوبين حيث فازوا بـ 27 جائزة في مسابقة (آيسف 2023) العالمية. إن فوزهم يضع بلادنا على خارطة الموهبة الدولية، ويقدم وقود الأمل لشبابنا لدخول عالم الإبداع والابتكار.
هذه النماذج الطموحة الإيجابية نحتاجها لإلهام وحفز مراهقينا وشبابنا لأهمية الرقي والسمو في الأهداف والغايات والتطلعات. هذه هي التي تحميهم من مزالق السباق إلى عالم التفاهة, نحتاج تسويق هذه النماذج الشبابية الناجحة لتساعد في مشروعنا الوطني لحماية هوية الشباب الثقافية والوطنية، فضياع الهوية واللغة الأصلية الأم له آثاره السلبية المكلفة على تنشئة الشباب الاجتماعية. الشباب يحتاج الأمان النفسي الذي يفتح له آفاق النمو والترقي الاجتماعي والاقتصادي.
الأمان النفسي يضعه المختصون بالتنمية الاجتماعية كأحد أهم مظاهر وصور التمكين للشباب. لماذا؟ لأنه يساهم في رفع درجة الوعي، وتعزيز الثقة بالنفس، والإيمان بالقدرات الذاتيه. أيضًا يُعزز اكتساب القوة والثقة لمواجهة صعوبات ومشاكل الحياة. لذا، الحرص على تسويق قصص النجاح للشباب في مؤسسات التعليم والإعلام تخدمنا لزيادة ثقة الشباب ببلادهم وبأنفسهم وقدراتهم، وهذا يحتاج إكسابهم المهارات الفكرية والنفسية للإبداع.
أيضًا في سياق حماية الشباب، نحتاج بناء شبكات الأمان التي تحميهم من مخاطر الاختراق والتجسس الاقتصادي. الآن وعلى المدى الطويل نحتاج (برنامجًا أمنيًّا وطنيًّا) يستهدف تنوير الشباب ورفع مهاراتهم ومعارفهم بأشكال التهديدات الأمنية المعاصرة. الحروب الاقتصادية والثقافية هي الشكل الجديد الذي يتطور في سباق المصالح بين القوى العظمى والتكتلات الاقتصادية الدولية، والمجموعات التجارية الكبرى. هنا نحتاج (دورات أمنية متخصصة) لتدريب الأجيال الجديدة العاملة في المؤسسات المالية والاقتصادية والمجموعات التجارية الكبرى لحمايتهم من ممارسات الابتزاز بالذات في الخارج.
الأجيال الجديدة في المؤسسات المالية السيادية والخاصة ربما تتعرض لسلوكيات ابتزاز ومغريات ناعمة ليلية محترفة جديدة عليها. فآليات التجسس الاقتصادي والمالي تتطور وتتنوع، وحماية المواطنين منها حق سيادي، بالذات الأجيال الجديدة التي لا تعي مخاطر هذا الأمر.
هذه الدورات التدريبية عادة تتضمن شرح كيف يتم ابتزاز الشباب العاملين في الشركات والبنوك سواء عن طريق فن الإغواء، أو الإغراء بالمال أو الوظيفة أو الوعد برفع الرتبة أو الوظيفة إذا استجابوا للابتزاز بشكل صحيح. وغالبًا تتضمن حقائب التدريب تقديم الحالات الدراسية التي توضح الأساليب والتقنيات التي تطبق للابتزاز مثل:
1- يتم ابتزاز الشباب العاملين بتهديدهم بالكشف عن أسرارهم الشخصية أو حياتهم الخاصة أو أعمالهم غير القانونية.
2- الابتزاز يمكن أن يشمل الامتناع عن تقديم الترقيات أو الزيادات في الراتب أو المنصب الذي يتطلع إليه الشاب.
3- أيضًا يتم الابتزاز عن طريق الحصول على معلومات حساسة مثل معلومات العملاء أو المعلومات المالية السرية.
4- يتم ابتزاز الشباب العاملين في الشركات والبنوك عن طريق التهديد بتدمير سمعتهم، أو تشويهها أمام زملائهم أو المشرفين عليهم في الشركة.
5- يتم الابتزاز عبر دفع الشباب إلى القيام بأخطاء أو سوء السلوك، ثم التهديد بالكشف عنها إذا لم يتعاونوا.
كذلك ربما نحتاج برامج تدريب متخصصة ومتقدمة تتضمن كشف مظاهر وآليات التجسس الاقتصادي المعاصرة مثل القرصنة الإلكترونية (الاختراقات السيبرانية) حيث يستغل المتسللون الثغرات الأمنية في النظم الإلكترونية للوصول إلى المعلومات الحساسة والسرية وسرقتها أو استخدامها في إطار خطط التجسس. والتنصت الإلكتروني (التجسس على المكالمات والاتصالات، والهجمات الموجهة (التحريض على الجاسوسية). وغيرها من الأمور التي يعرفها المختصون.
كذلك مهم تدريبهم على مهارات ومعارف وطرق التعاون المحترفة والقانونية مع الجهات الأمنية والمؤسسات المختصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية أو المؤسسات القضائية لكشف محاولات الابتزاز والتجسس.
أيضًا تجنب أشكال الابتزاز يتحقق عبر حوكمة بيئة العمل، وإيجاد الأجواء الصحية والنفسية التي تضمن حماية الموظفين من المزالق الأخلاقية والمخالفات النظامية التي يمكن أن يتعرضوا لها.
الذي يصون أمننا الوطني ويحمي شبابنا من ضعف الطبيعة البشرية، ومن جهلهم هو التوسع في إدخال (برامج المكافحة والوقاية الأمنية والمالية) ضمن المتطلبات الأساسية لبيئة العمل أي ضمن متطلبات الحوكمة والالتزام، وبرنامج الجودة الشاملة حتى تتكرس في ثقافة المنظمة التنظيمية وتصبح من المسلمات التي تطبق بتلقائية وبإحساس بالمسؤولية الوطنية، وليس الوظيفة فقط. هذه المتطلبات الأساسية في بيئة العمل لها قيمتها ومساهمتها العالية التي تنعكس على سمعة بلادنا وتصون جبهتنا الداخلية وأمننا الوطني. من يقرع الجرس؟