خالد الغيلاني
يجادل البعض بأنه على مر التاريخ، تعرضت المرأة لمحوٍ فكريٍّ وعقليٍّ من الذاكرة العامة حتى ساد الاعتقاد بأن التاريخ الثقافي للمرأة غير موجود لأبوية صارمة؛ فذهبت بعض الدراسات إلى أن المجتمع البشري مر بمرحلة النظام الأمومي قبل أن تأتي الفترة الأبوية فتستولي على كل شيء، إن هذا التهميش الذي تعرضت له المرأة دفع إحدى هؤلاء النساء وتدعى أوليمب دي غوج ( 1748-1793) التي ناضلت من أجل إرساء الحقوق المدنية للنساء والرجال على حد سواء أثناء الثورة الفرنسية لتقول: «أخي لقد احتجت أختك لكسر قيودك، الآن بعد أن أصبحت حرًّا ترفضنا»، لم يحتمل الفرنسيون هذا منها فُقِطعَ رأسُها بأمر من لجنة السلامة العامة في عهد الرعب الذي مرت به فرنسا وازداد الأمر سوءًا في عهد نابليون بونابرت الذي ألغى جميع حقوق المرأة وأعاد سلطة الرجل على العائلة الفرنسية وأبقى فقط قوانين الطلاق. وتتساءل إحداهن أين هذا التاريخ لأفكار النساء، ولماذا لا نعرفه؟ لماذا نقوم بتدريس أرسطو، روسو، كانط، راسل وليس أفكار هيدو آنا من بلاد ما بين النهرين 2300 قبل الميلاد ويعني اسمها زينة الكاهن الأعلى التي وصلت إلى أعلى مرتبة كهنوتية، معينةً من قبل والدها الملك سرجون الأكدي كأقدم امرأة كاتبة وشاعرة حب عرفت بتراتيل المعبد السومري في أولى المحاولات الإلهيات المنتظمة، أو أفكار كريستين دي بيزان ( 1364- 1430) أو كونستانس جونز « 1848- 1922» وبقيت هذه الفكرة مسيطرة حتى نشر جاكوب بروكر عام 1745 أول تاريخ شامل للفلسفة في العصر الحديث شمل مفكراتٍ ومتبرئًا من منتقديه قائلًا: «لطالما كانت المرأة الحكيمة موجودة في جميع الأمم»، ولا شك أنه كان هناك نساء فلاسفة قبل سقراط وما بعد سقراط فأفكار دو شاتليه الرياضية الفيزيائية الفرنسية التي ترددت في كانط حتى قال فولتير إن دو شاتليه كانت «رجلًا عظيمًا خطؤه الوحيد أنه امرأة»، كما اعترف برتراند راسل في النهاية بأنه أخذ أفكارًا من إي إي كونستانس جونز لأنهما كان يجمعهما المنطق وللأخيرة إسهامات قيمة فيه.
أما الفيلسوف النسوية في معهد ماساتشوستش للتكنولوجيا سالي هاسلانجر في مجلة أكاديمية فتنعى على الفلسفة بأنها بيئة ذكورية مفرطة تتسم بالمصادرة للآخر الأنثوي وفي عام 2008 نشرت الفيلسوف لويز أنتوني عن التحيزات اللاوعية لدى الذكور تجاه النساء عند الفلاسفة الذكور وأنها تكون أقل تحيَّزًا عند أساتذة الأدب ربما بسبب الصور النمطية عن المرأة/ المنزل لأن الفلاسفة يحفظون أنفسهم عن هذا النوع من الأعمال وينظرون بشيء من الريبة لزملائهم الذين ينخرطون في هذه الأعمال المنزلية.
في سيدني جرى مسح طلابي للإجابة عن السؤال التالي: لماذا هناك عدد قليل من النساء الرائدات في مجال الفلاسفة؛ فأظهرت النتائج أن الطالبات كن أقل احتمالًا لمتابعة الفلسفة من الرجال لأنهن كن أقل اهتمامًا بالمجال الفلسفي منذ البداية. مع ذلك يجادل أساتذة من جامعتي ديوك وكولومبيا بأن الوقت قد حان للفلسفة أن تتعامل مع مشكلة الجنس الخاصة عندما حددتها الفيلسوف ماري دي جورناي في أوائل القرن السابع عشر بقولها: «طوبى لك، أيها القارئ، إذا كانت لا تنتمي إلى هذا الجنس المحروم من التعليم ليظل جاهلًا ومستعبدًا ولاعبًا لدور الأحمق على أنه سعادة المرأة الوحيدة «وفي هذا السياق نُشرت» مقدمة نورتون للفلسفة وهي كتاب مدرسي كبير الحجم حرر من قبل فلاسفة بارزين احتوى على كتابات أفلاطون وأرسطو مرورًا بأطروحات العصور الوسطى إلى أوائل العصر الحديث إلى المناقشات المعاصرة ضمن تعليقات ومقتطفات متنوعة على مدار 2400 عام ولا يحتوي على كتابات للنساء قبل منتصف القرن العشرين.
مع أن المرأة سجلت تفوقًا فلسفيًّا ملحوظًا، ففي عام 1643 عندما بدأ عالم الرياضيات والفيلسوف الفرنسي الكبير رينيه ديكارت بالتواصل مع أميرة أوروبية وهي إليزابيث البوهيمية التي بدأت مراسلتها كحال النساء في ذلك العصر بالأسلوب الاعتذاري واتهام نفسها بأنها أقل درجة ورتبة من المفكر الشهير وبعد بضع مجاملات تحولت إلى نقد حقيقي لكل آراء ديكارت إثر حول مفهوم الروح عنده لتعد آراؤها جزءًا من تاريخ ثنائية العقل والجسد لذلك يبدو أنه من غير المبرر استبعاد إليزابيث من تاريخ الفلسفة.
وقد لاحظ الفلاسفة النسويون أمرين مهمين:
الأول: يتمثل في مشكلة الإقصاء التاريخي حيث التقليد الجاري أنه لا يوجد فلاسفة من النساء.
الثاني : إذا وجد فلاسفة نساء فلا أهمية لهن بالطبع مع وجود كم هائل من التصريحات الصريحة عن كراهية النساء في النصوص الفلسفية وتفسيرات جنسانية للمفاهيم الفلسفية موجودة بكثرة في نصوص أرسطو عندما يقول بأن الأنثى هي المادة والرجل الصورة ويوضح الفارابي ذلك باستعمال مفهومي المادة والصورة للإبانة عن عملية التوليد، فيقول: «القوة التي تعد المادة هي قوة الأنثى، والتي تعطي الصورة هي قوة الذكر، فإنّ الأنثى هي أنثى بالقوة التي تعد بها المادة، والذكر هو ذكر بالقوة التي تعطي تلك المادة صورة ذلك النوع الذي له تلك القوة». وإذا علمنا أن الصورة أشرف من المادة لدى أرسطو والفارابي، فإن ذلك يعني أن المرأة أقلّ شأنًا من الرجل من حيث المساهمة في تشكل الجنين، فهي تضطلع بدور ثانوي بينما يظل دور الرجل رئيسيًّا مع أن سقراط كان أكثر إنصافًا مع المرأة ودفاعًا عن المساواة بين المرأة والرجل خاصة فيما يتعلق بالتعليم مع إعطاء الرجل مَيزة واضحة لقوته البدنية فيما يتعلق بالولاية على الدولة وفي أثناء لقاء سقراط مع ديوتيما «Diotima « عبر عن احترام بالغ وتقدير عميق لذكائها إلى درجة أنه يجعلها مساوية له وقد تجد صورة أرسطية أشد قتامةً عند الفيلسوف الألماني شوبنهاور الذي كان يتمتع بسمعة عريضة في كره النساء وكان يكره هيجل أشد من كراهيته للنساء ويصفه بأقذع الأوصاف كنعته بالأمي، الجاهل، المقرف، المرتزق، صاحب الرأس المسطح.