سهوب بغدادي
بين مظاهر الحداثة وإيجابياتها التي عمّت جنبات حياة الكبار والصغار على حدٍّ سواء، والتي تداخلت مع منظومات وأعمال مهمة، كالتعليم والأمن والإعلام، وصولاً إلى الترفيه، إذ تعد الرقمنة إيجابية في مجملها كفكرة أساس حين إيجادها، إلا أنه انبثقت منها استخدامات لم تكن في الحسبان، بل عاهات مستديمة ومؤقتة، فمن كان يتخيل أن يرى ما يدور في المنازل، دون دخولها، بل ومعرفة ما دار في يوم ذاك الصديق والقريب غير المقرب من مأكل ومشرب ووقت استيقاظ، وغيرها من الخصوصيات، وذلك على صعيد الأفراد عندما نتحدث عن الخصوصية، لطالما سمعنا امتعاض الأشخاص من التدخلات الخارجية في طريقة عيشهم من الأهل والأقارب ولسان حالهم «الأقارب عقارب» أما الآن، الجميع يترقب ويترصد ويرصد الخطوة على الفرد بملء إرادته، بل ينتشي الشخص من عدد المشاهدات ويشعر بالرضا الذاتي المؤقت من «تكبيس العابرين» في النهاية لا أحد يهتم.
عندما نتطرق للمشاهير، فهذه قصة أخرى ما بين الانتهاكات والتسطيح للفكر والعقول والتفاهة وتضييع الوقت، وما خفي أعظم، نرى أن تأثير التفاهة طاغٍ لأنه ببساطة الأسهل والأهون للوصول إلى الكسب الوفير فلا نستطيع أن نلقي باللوم كليًّا عليهم، فكل ما يريده المشهور أن يكسب لقمة العيش من خلال العقود المبرمة بينه وبين الشركات والمنصات والجهات، لذا لا نستغرب عندما نشهد سقطة أو اثنتين لأحد المشاهير، فمتى سلم الشخص نفسه لجهة من خلال عقد يسري عليه مايسري على أي موظف في أي قطاع، إن هذا الموظف قد يتغيب بسبب المرض، وقد يصاب بالاحتراق الوظيفي -أمر محتمل- وأن يفقد الشغف، أو ينفد ينبوع إلهامه الأصيل أويصاب بالفتور لوهلة، إلا أن كل ذلك غير مسموح للمشهور كالموظف العادي، لذا نتعجب وننتقد المشهور الذي أعلن عن حالة وفاة مؤلمة ومع ذلك يستمر في الإعلان والدعاية وبث البثوث، فأي حياة تلك؟ من يخرج من منزله ويحتسي قهوته دون تصويرها فإن فنجانه لا يحتسب، ومن سافر لدولة ولم يوثق دهاليزها فلم يسافر، ومن قدم خيرًا أو هدية دون تصوير ردة فعل الطرف الآخر فكأنه لم يقم بشيء, والأدهى والأمر من تزوج ولم يوثق بالصوت والصورة والفيديو وكل أمر متاح خفايا تعاملاته وأيامه مع شريك حياته فليس سعيدًا، على الرغم من رؤيتنا للسعادة والحب على محيا المشهورة وزوجها، فما الذي حلّ بهم في يوم وليلة، كل شيء نراه ونسمعه ونقضي جل وقتنا معه يجعلنا نتساءل «هل حياتنا عبارة عن وهم وحبكة مخرج أم حقيقة؟» ومن الذي يصنع حياتنا نحن أم الغير؟ وما الذي يمدنا بالرضا عن الذات، هل هي ماديات، أم مفاهيم ومباديء حقة؟ إن هذا المقال ليس محاولة شيطنة وسائل التواصل الاجتماعي أو الانترنت والحداثة أو العودة إلى «أبو كشاف»، بل هو دعوة للتفكر في حالك وأيامك التي تتناثر خلفك دون علمك، ختامًا، يجب ألا نخضع لما يمليه علينا المخرج، فأكبر الممثلين قالوا لا ورفضوا أدورًا لا تليق بهم خلال مسيرتهم، فعوضًا عن قول «المخرج عاوز كده» ردد «أنا عاوز كده وأنا بطل فيلم حياتي».