«الجزيرة» - خالد الدوس:
بتوجيه ومتابعة وإشراف سيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- فرضت المملكة حرباً قاصمة على المخدرات وملاحقة المروِّجين والمتعاطين في ظل الحملة الوطنية الأمنية في جميع مناطق مملكتنا الغالية.. لمكافحة آفة المخدرات بكل أنواعها من أجل المحافظة على صحة المجتمع وسلامة أبنائه وأمنه وهي جهود - لا مناص - تنسجم مع (رؤية 2030) نحو تحقيق مستقبل أفضل لمجتمعنا السعودي الكبير. وخصوصاً أن نسيجنا المجتمعي يشهد اليوم تغيرات في أنماط الحياة الاجتماعية وتحولات ثقافية رهيبة نتيجة وتيرة التحديث والمعاصرة التي ألقت بظلالها على السنن والنظم الاجتماعية ومنها نظام الأسرة، التي تمثِّل أهم مؤسسة تربوية في المجتمع لدورها البنائي والوظيفي في عملية الضبط الاجتماعي، حيث بات النسق الأسري في ظل هذه التحولات السريعة في عالم متغيِّر يعاني من مشكلات نفسية وعلل اجتماعية. ومنها ما يُعرف بالانحراف الفكري لبعض الأبناء؛ خاصة مع ثورة الاتصالات الرقمية وانفجارها التقني، وظهور شبكات التواصل الاجتماعي التي باتت في واقعنا المعاصر تشكل جزءاً مهماً من حياة الشباب من كلا الجنسين الذين يتصفحون الإنترنت ويستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها ومظاهرها برؤى واتجاهات فكرية متباينة. وهناك بعض المخاطر ينبغي على الأسرة أن تقوم بدور الرقيب على أبنائها وحماية عقولهم وتحصين أدمغتهم من المواقع الإلكترونية المشبوهة والمنابر الإجرامية التي تؤثِّر على الفكر والخيال والعاطفة والسلوك.. ويستخدمها أصحاب الفكر الضلالي والمنهج الشاذ في نشر الأفكار المتطرفة، وبث السموم وترويج المخدرات بين الشباب بهدف القضاء على عقولهم وأبدانهم في آن واحد، والأكيد أن أمّ الجرائم من الظواهر الخطيرة التي تؤثِّر في بناء المجتمع وأفراده لما يترتب عليها من آثار أسرية واجتماعية ونفسية وصحية واقتصادية سلبية. ومجتمعنا السعودي الفتي مستهدف من مافيا وتجار المخدرات في الشرق الأوسط على الرغم من جهود المملكة الحثيثة في مكافحة المخدرات والحد من أضرارها وخطورتها على الفرد والأسرة والمجتمع إلا أن العقد الأخير شهد زيادة في حجم مشكلة انتشار آفة المخدرات المرضية، ومن الأنواع الحديثة التي تعد من أخطر أنواع المخدرات المستحدثة التي وجدت لها طريقا بشكل مستهدف إلى المجتمعات العربية ومجتمعنا السعودي بشكل خاص ما يُسمى بمركبات مخدر «الشب» والذي اشتهر بعدة أسماء هي: (الكريستال ميث) و(الثلج) وهو نوع من المخدر يتم تصنيعه من مادة (الميثامفتيامين) التي تعد من المنبهات القوية التي تؤثّر على الجهاز العصبي المركزي، وإلى فقدان المتعاطي الارتباط بالواقع والانفصال عنه، وتزيد من حدة العنف لديه، وتسبب حالة من الهلوسة السمعية والبصرية وإلى كثير من الأمراض النفسية التي تدفعه للانتحار كما تسبب تشوّهات كبيرة في الوجه وتساقط الأسنان وضعف المناعة، ويؤدي بالتالي للإصابة بالإدمان طبقاً لـ»معاهد الصحة الوطنية الأمريكية».
تصدع البناء الأسري
المخدرات بأشكالها المتنوعة.. مرض عضال يشل الفرد متى ما سلك الإنسان طريقها المدمر فإنه بالتالي يصبح أسيراً لها خصوصاً وأن طريقها سهل، لكن الخروج والتحرّر منها صعب جداً، فهي -أي المخدرات- تحدث شرخاً عظيماً في الأسر فينشأ التوتر والشقاق والخلافات والعداوة والبغضاء والمنازعات مما يلقي ذلك بظلاله على المجتمع فيصبح مجتمعاً مريضاً بأخطر الآفات ومثقلاً بأوجاعه وأسقامه يسوده التمزّق والكساد والتخلّف وتعمه الفوضى، ويصبح بالتأكيد فريسة سهلة للأعداء للنيل منه في عقيدته وثرواته ومدخراته، لأنه إذا ضعف الفرد ضعف المجتمع وإذا ضعف الشباب ضعف الوطن، وإذا ضعف إنتاج الوطن أصبح بطبيعة الحال خطراً على الإنتاج والاقتصاد الوطني.
ولا شك أن الشريعة الإسلامية وإدراكاً لما تسببه هذه الآفات السامة (المخدرات) من مشكلات اجتماعية وصحية واقتصادية وأمنية تقع على كل من الفرد والأسرة والمجتمع، فقد حرَّمت كل ما يؤدي إلى الوقوع في براثن هذه السموم القاتلة، فموقف الشرع الإسلامي من المخدرات يتمثّل في تحريمه جميع أنواعها وأشكالها وأصنافها بالنصوص القاطعة بالقرآن الكريم، والسنة المطهرة، بالإجماع لعلة الإسكار ومخالطة العقل وستره وأن تحريم المخدرات أشد وأعظم فهي تشمل عناصر الموبقات التي تواجه بالتحريم الشرعي فهي أي المخدرات مفسدة للدين والعقل والنسل والنفس والمال أي الضرورات الخمس، وأضرارها ومفاسدها على الدين وعقل الفرد وشخصيته ومجتمعه لا يمكن حصرها عبر هذه الأسطر.
ولأن ظاهرة المخدرات أو (السم القاتل) تمثِّل قضية معقدة، حيث تدخل فيها العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية.. فهي تطلب بالتأكيد مواجهة شاملة وجهود متكاملة على المستوى الإقليمي والدولي للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة على المجتمعات.
مجتمع فتي
مجتمعنا السعودي الفتي الذي يعيش مرحلة شبابه باعتبار أن 65 % من تركيبته الديموغرافية تمثّلها في هرمه السكاني (الفئة الشبابية)، يشكِّل أحد هذه المجتمعات في العالم التي لم تسلم من هذه الآفة الخطيرة, فالمملكة جزء لا يتجزأ من هذا العالم تتأثر به وتتفاعل معه خاصة بعد أن أصبح العالم كالقرية الصغيرة نظراً للانفجار المعلوماتي والتطور التكنولوجي في شتى المجالات، والمملكة لا شك تتميز بعدد من الخصائص كموقعها الجغرافي وحدودها المترامية الأطراف وكثرة الدول المشتركة معها في الحدود علاوة على وجود الأماكن المقدسة التي تستقبل مئات الألوف سنوياً لأداء مناسك الحج أو العمرة وكذا كونها دولة مفتوحة للعديد من الحسنات التي قدمت مع انطلاق التنمية النفطية في السبعينات الميلادية الأمر الذي أحدث تغيراً اجتماعياً واقتصادياً سريعاً على المجتمع ولا ريب أن كل هذه العوامل المشار إليها آنفاً جعلت من المملكة العربية السعودية دولة مستهدفة لترويج ونشر هذه الآفات المدمرة..!
كما أن التغير الاجتماعي المفاجئ أدى إلى تغيير في القيم والمعايير الاجتماعية التي كانت سائدة بين أعضاء المجتمع، فبدأت مهام الأسرة تنحسر عمّا كانت عليه وتتقلّص حتى أصبحت بعض هذه المهام تباشر عن طريق مربيات أجنبيات ذات خلفيات مختلفة بالاعتقادات والعادات والتقاليد، وفي مثل هذه الصورة أصبح بعض الشباب يعاني من الضياع والتوتر بغياب الرقابة والسلطة الأسرية على أطفالها، وهذا لا شك كان له دور مؤثر في توجيه سلوك الشباب فنجد بعضهم يلجأ إلى استعمال المخدرات محاولين تحقيق الذات من خلال البحث عن تجارب جديدة لأن الأسر التي كانوا يلجؤون إليها قد تمزقت روابطها ووهن دورها التربوي كما أن كثرة العمالة الأجنبية التي ساهمت في إحداث تغيير كبير في التركيبة السكانية لعبت دوراً في جلب عادات وتقاليد ومعتقدات وافدة تسببت في جلب كثير من السلوكيات المنحرفة الشاذة معهم مما يؤيد دور العمالة في الاتجار واستعمال المخدرات، كما أن الفراغ الذي يعاني منه بعض الشباب في ظل قلة الأماكن الخاصة بالترويح والتسلية ساهم في اتجاه الشباب إلى تمضية وقتهم في أشياء ربما تعود عليهم بالخطورة والضرر على أنفسهم والمجتمع، فنجد الشباب يجوبون الشوارع والأزقة ويقومون بارتكاب سلوكيات خارجة عن المعايير الاجتماعية مثل ظاهرة التفحيط، وإزعاج المواطنين ومشاهدة الفضائيات وغيرها من الأعمال الشاذة وكل هذه السلوكيات السلبية تلعب دوراً مهماً في جذب هؤلاء إلى تعاطي المخدرات وترويجها كبديل لقضاء وقت الفراغ نعم هنالك متعاطون سقطوا في وحل الإدمان بسبب الفراغ القاتل!
أضرار المخدرات..!
عندما نتناول الآثار الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأمنية والصحية والثقافية المتمخضة من رحم هذه الأزمة الخطيرة (المخدرات) فهي لا شك تؤكد أن للمخدرات آثاراً كثيرة وأضراراً متعددة ومتنوعة على الفرد والأسرة والمجتمع، فمن آثارها الصحية والنفسية تؤدي المخدرات إلى الإصابة بعدة أمراض خطيرة ومؤثرة قبل الإصابة بمرض الذهان (اختلال العقل)، مرض الاكتئاب، القلق، كما يؤدي الإدمان على المخدرات في بعض الأحيان إلى الإصابة بالغرغرينا، وبالتالي قطع أطراف اليدين أو الرجلين، كما تسبب إتلاف الكبد، حيث إن بعض المواد المخدرة تسهم في تحليل خلايا الكبد ويسبب أيضاً التهاب المعدة، وبالتالي تعجز المعدة عن القيام بوظائفها وكما تسبب التهاباً في المخ وتآكل ملايين الخلايا العصبية التي تكوِّن المخ، ما يؤدي إلى فقدان الذاكرة والهلوسة السمعية والبصرية والفكرية وذلك طبقا للأبحاث الطبية والدراسات النفسية الحديثة.
أما على صعيد الآثار الاجتماعية فإن أهم الآثار المترتبة على تعاطي المخدرات هي الأضرار الاجتماعية التي قد تلقي بظلالها على الحياة بشكل عام بدءاً من الضرر الواقع عن الفرد المتعاطي مروراً بأسرته وامتداداً إلى مجتمعه فهناك آثار كبيرة، منها الانعزالية وعدم مشاركة الآخرين في تقرير المصير، وعدم القدرة على الابتكار والإنتاج كذلك من الآثار الاجتماعية التفكك الأسري والنفور من المجتمع والمحيطين به، وبالتالي نشأة أسرة ضعيفة مفككة لكون المتعاطي قد اخل بدور الأسرة وأهميتها في إيجاد جيل صالح وفعّال يؤدي دورة تجاه مجتمعه بكل نشاط وهمة أيضاً، يمثل المدمنين خطراً على حياة الآخرين من حيث إنهم عنصر قلق واضطراب لأمن المجتمع مما يقودهم في نهاية المطاف إلى مستنقع الجريمة، كما أن المدمن عندما يصبح عاجزاً عن تأمين المخدر بالطرق المتاحة كثيراً ما يلجأ إلى أمور لا يتصورها العقل..! وهذا يعني أن انتشار المخدرات علامة على الرذيلة بكل أشكالها وصورها. وبالتالي انهيار العلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية، والعجز على توفير المتطلبات الأساسية للفرد والأسرة ويقع المدمن غالباً تحت تأثير الطلب على المخدرات في جرائم السرقة والترويج والسطو والقتل والقمار..!
كما أن المدمن قد يلجأ إلى السرقة والترويج وارتكاب الجريمة في سبيل الحصول على المخدرات أكثر من اهتمامه بالحصول على احتياجاته الضرورية جداً، وعدم توفيرها قد يؤدي إلى تفكك الأسرة ولجوئها إلى العديد من المؤسسات والجمعيات الخيرية، ومن هنا يتضح أن للمخدرات أثراً اقتصادياً واضحاً على مستوى المجتمع.
الحلول الناجعة للحد من الآفة الخبيثة
* تفعيل دور أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية، والخلية الأولى التي تنمو في جسم المجتمع (الأسرة) في حماية أبنائها وتحصينهم ضد (أم الجرائم) بأنواعها، ومن سبل الحماية الأسرية والوقاية من (مستنقع التعاطي والإدمان) أن يكون الآباء في تعاملهم وسلوكهم يمثّلون القدوة الحسنة الصالحة للأبناء، وفتح قنوات الاتصال مع الأبناء وتعزيز قيمة «الحوار البنائي» من خلال الجلوس معهم ومناقشتهم في همومهم ومشكلاتهم والاستماع إليهم في محاورتهم وأفكارهم ووجهات نظرهم، وتشجيعهم على نحو يساعد على بناء الشخصية السّوية. كما أن من سبل الوقاية من هذه الآفة الخطيرة متابعة وملاحظة سلوك الأبناء ورصد أي تغيير في حالتهم الصحية من أجل الاكتشاف المبكر في حال التعاطي -لا سمح الله- وتوعيتهم في كل ما يتعلق بالمخدرات ومساعدتهم على اختيار «الصحبة الطيبة» وتجنب أصدقاء السوء. ومعروف أن الصديق -وطبقا لعلم الاجتماع التربوي- يشكل ما نسبته (60 %) في التأثير على تشكيل شخصية الفرد وتنمية اتجاهاتها السلوكية والاجتماعية والتربوية والقيمية، وضرورة تدعيم وتوثيق الترابط الأسري مع مراعاة عدم تربية الأبناء على أساليب القسوة والعنف أو التدليل المفرط حتى لا يكتسبوا سلوك العدوانية، أو الاتكالية في تفاعلهم الاجتماعي مع الآخرين.
* رفع سقف الوعي المجتمعي من خلال تفعيل دور وسائل الإعلام المختلفة (الرقمي والتقليدي) لتوعية وتنوير المجتمع بخطورة أزمة المخدرات وآثارها المدمرة صحياً واجتماعياً ونفسياً واقتصادياً ودينياً والتفاعل مع هذه الحملة الوطنية الأمنية المباركة. وأيضاً من الأهمية بمكان تثقيف وتوعية النشء بأضرار المخدرات كافة وذلك من خلال إدخال موضوعات متفرقة في المناهج الدراسية عن المخدرات وآثارها وخطورتها وما تحدثه من سوء توافق نفسي واغتراب اجتماعي خصوصاً في مرحلتي المتوسطة والثانوية، إضافة إلى المرحلة الجامعية.
* تأهيل العاملين في مجال التوجيه والإرشاد في المؤسسات التعليمية بما يمكنهم من التعامل مع السلوك السلمي للطلاب بما في ذلك السلوك الإدماني بأساليب عملية تطبيقية مناسبة. بعد التعرف على آثار تعاطي المخدرات على الطلاب.
* عقد المؤتمرات العلمية والندوات الأمنية وورش العمل الثقافية (المكثفة) التي تتناول هذه الظاهرة الوافدة (المخدرات) بما يسهم في إنقاص حجم هذا الداء الفتاك.. وخفض مستويات الإدمان من خلال هذه الندوات العلمية المهمة التي تنظم بالتعاون بين الجهات الأمنية والصروح الأكاديمية.
* توسيع دائرة إنشاء مراكز اجتماعية ونفسية بالأحياء متخصصة للاستشارات الأسرية مع تدريب العائلة على الطريقة المثلى للتعامل مع المدمنين على اعتبار أنه (مريض) وليس (مجرماً)!
* دعوة الشباب للالتزام بالقيم الدينية والمعايير الاجتماعية الأصيلة والعمل بها بما يضمن توافق القول مع العمل، وهذا لا شك يخلق وعياً اجتماعياً يساعد على محاربة المخدرات والعقاقير المدمرة للحياة الإنسانية ويحقق تنمية للضمير الحي والرقابة الذاتية.. عبر النهوض بقالب التنوير من المؤسسات الدينية والاجتماعية والتعليمية.
** **
- باحث في القضايا الاجتماعي