حسن اليمني
أرقام الإحصاء الدقيقة مفيدة وغاية في الأهمية للقرار الصائب والسليم لتحقيق الغايات والأهداف، ويظهر أن الإحصاء الأخير لعام 2022م الذي ظهر مؤخراً يعد أدق إحصاء وأقرب للصحة والحقيقة نتيجة تسخير الإمكانات اللازمة وتقديم الاهتمام في الدقة والكشف بناء على معطيات الجدية المرتفعة التي جعلت هذا الإحصاء غاية في الأهمية.
حسب نتائج الإحصاء السكاني للمملكة فقد بلغ التعداد السكاني 32.4 مليون إنسان يعيش على أرض هذا الوطن، نسبة الوافدين منه تبلغ 41.6 في المائة مقابل 58.4 مواطن، وبلغت نسبة الذكور للإناث 61.2 في المائة ذكور مقابل 38.8 في المائة إناث، ونبقى في حاجة لتفصيل أكثر في تعداد نسب الذكور والإناث في الوافدين لتكون الصورة أوضح وكذلك نحتاج إلى معرفة نسبة معدل الدخل للفرد المواطن والوافد وكذلك الاستهلاك ثم علاقته الحسابية مع الإيرادات والمصروفات للوطن للوصول لقياس نسب المنفعة العامة وكيفية الاعتناء بها.
يظهر من المؤشرات الأولية مسافة كبيرة بين نسبة الذكور للإناث، إذ بلغت تقريبا بنسبة 38.8 في المائة إناث مقابل 61.2 في المائة ذكور أو بشكل أسهل 4 إناث مقابل 6 ذكور، وفي هذه الجزئية أجد أن من المهم الانتباه لهذا المؤشر وإعادة بحثه ودراسته مع وجود تصاعد نسب العزوف عن الزواج وتصاعد تكلفته أو ضعف القدرة ويضاف لذلك نسب الطلاق مقابل نسب الزواج، لأن البوتقة واحدة واتجاهها واحد وإن اختلفت كجزئيات لعملية النمو السكاني قوة أو ضعف، على أننا لو أخذنا النسب بالقاعدة التجارية في العرض والطلب لظهر لنا أن العرض (4) أقل من الطلب (6) وهو ما يمكن أن يعلل ارتفاع تكلفة الزواج وتصعيب شروطه الأمر الذي أدى إلى تأخر الزواج للإناث وزيادة صعوبته للذكور علما أن النسبة في الإحصاءات السابقة أظهرت أن نسب الإناث للذكور في المواطنين تكاد تكون متساوية واحسب أن الفارق الكبير في الإحصاء الأخير يعود لنسبة الذكور العزاب من الوافدين أو بالأصح الذكور الوافدين غير المصطحبين زوجاتهم أو أسرهم مما يعني أن نسبة كبيرة من دخلهم تذهب لبلدانهم لإعالة أسرهم، وإن صح ذلك فهو يعني عائدا أقل في التدوير من الوافد على حساب زيادة تكلفة المعيشة للمواطن سواء في الدخل أو الاستهلاك والصرف، وربما نجد أن هذا أيضا واحد من أسباب العزوف عن الزواج وزيادة التكلفة بضعف القدرة، وتكتمل هذه النقطة لو أظهر الإحصاء متوسط الدخل للمواطن ونسبته لمتوسط الدخل للوافد، ثم حساب نسب الاستهلاك والصرف من الدخل والإيراد للوافد في الداخل والخارج ومقارنته بمثيله للمواطن للوصول لنسبة القوة المالية المهدرة من الإيراد الداخلي للخارج لكشف الخلل - إن وجد - الذي يتحمله المواطن لصالح الوافد ليتم معالجته للوصول للنقطة العادلة.
ويظهر من المؤشرات كذلك في هذا الإحصاء أن تعداد المواطنين لم ينمو بالمعدل الإيجابي، بل أظهر فيما يبدو ضعف أو انحسار في نسب النمو الطبيعي، وقد تكون الإحصاءات السابقة التي ذكرت 19 مليون و20 مليون في أعوام سابقة لم تكن دقيقة، وهذه مشكلة وإن كانت صحيحة فهي مشكلة أكبر، لكن وبكل الأحوال إذا سلمنا بأن الإحصاء الأخير يعد أدق الإحصاءات وأقربها للصحة وهي كذلك بناء على منطقها الواقعي المدعوم بالمعايشة والمشاهدة فإنها تظهر لأول مرة مؤشرات واضحة للأسباب التي نبحث عنها في بعض مشاكلنا الاجتماعية مثل تضاؤل قوة الملاءة المالية للمواطن مع تصاعد كلفة الحاجات الأساسية كالزواج والسكن الأمر الذي أدى إلى الميل لتحديد النسل لارتفاع التكلفة المعيشية، في حين يحتاج الوطن لزيادة نسب النمو السكاني الوطني ليتلاءم ومساحة الأرض وقوة الاقتصاد أو حتى يتقارب معه بشكل إيجابي أو في الأقل الحد من هبوطه السلبي، وإن كان هذا الخلل ربما مؤقتا لمرحلة تحول وتغير للوصول إلى غايات وأهداف الرؤية المرسومة لكن تبقى معالجته والاهتمام به غاية في الأهمية لأن نتائج تجاهله لن تكون جيدة.
ويظهر من المؤشرات كذلك أن نسبة 63 في المائة من السكان تقل أعمارهم عن 30 سنة بما يعني أن الصورة الأوسع للمجتمع السعودي تظهره بسن الشباب، والشباب بالمنطق الاجتماعي هو الجيل الذي يرسم ويشكل المستقبل القريب أو القادم، والأمر كذلك فإن سلامة نمو مساره في البناء الوطني يجب أن يُحمى ويؤمن للوصول لمستقبل قوي، ولعل الدخل الوظيفي والعلاقة الاجتماعية والسكن الانتمائي تعد ثلاث قواعد أساسية لحفظ امن وسلامة جودة الحياة التي تحقق للمجتمع النمو والتقدم السليم والصحيح، وبالتالي فإن الدخل المناسب في الوظائف أمر حساس لمواجهة البطالة سواء المنكشفة أو المُقَنّعة والفراغ الناتج عن الضعف والعجز الذي قد يسوق الاتجاه نحو الانزلاق في الجوانب السلبية وغير السوية، كما أن العلاقة الاجتماعية تبنى وتؤسس على بناء الأسرة عبر الزواج والإنجاب وكلما ضعفت هذه النسب كانت سائقة نحو الجانب السلبي بشكل طبيعي ومنطقي وهو ما يتطلب الاهتمام والعناية، ثم يأتي تملك السكن كواحد من أهم مقومات جودة الحياة وترسيخ الأمن والاستقرار لمسار الجيل نحو المستقبل الآمن المستقر.
وأخيراً فإنه إذا كانت الحقائق تُرى بأكثر من وجه وتترجم بأكثر من تفسير وتقرأ بأكثر من معنى فإن الأرقام عقيمة، ويحسب للإحصاء الأخير مدى قربة من الصحة والسلامة بشكل أكثر دقّة من أي وقت سبق مما يبعث على التفاؤل، يظهر ذلك بشكل جلي وواضح في ترجمة أرقامه للواقع بشكل يجعلنا نفهم بسعة أكبر معطيات مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية كلما كنا أكثر صدقا وإخلاصا في القراءة، واظنه آن الأوان للإيمان الصادق المخلص لرؤية الواقع بالأرقام بدلا عن البلاغة والبيان.