م. بدر بن ناصر الحمدان
منذ اتفاقية اليونسكو لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي عام 1972م (اتفاقية التراث العالمي)، وما ارتبط بها من معاهدات مختلفة في مجال التراث الإنساني الثقافي، والتي أصبحت بمثابة أحكام جديدة لعمل منظم على أساس دائم يواكب الأساليب العلمية الحديثة، تبنّت استخدام تقنيات البناء التقليدية بما في ذلك المواد الطبيعية الأصيلة التي كانت تمثّل المكوّن الرئيس للمبنى في جلّ المعايير والمواصفات التي شرّعت أعمال ترميم مباني التراث العمراني.
على الرغم من تطور تقنيات البناء والتي تم توظيفها لصالح أعمال ترميم المباني ذات القيمة التاريخية والمعمارية التي تهدف إلى الحفاظ والكشف عن القيمة الجمالية والتاريخية للمبنى، والقائمة على أساس احترام المادة الأصلية والوثائق الحقيقية إلا أن عوامل ومظاهر التلف أو تلك التي تنتج عن درجات التدخل والتغيير في وظائف المبنى لتلبية احتياجات البنية التحتية والتمديدات الأساسية ما زالت تشكِّل الهاجس الدائم حول قدرة المباني التاريخية على الصمود، لاسيما إذا ما تم توظيفها للاستخدام اليومي أو إتاحتها أمام الحشود وهو ما يشكِّل العائق الرئيس لتوظيفها والاستفادة منها.
قد تبدو حلول وبدائل الترميم وإعادة التأهيل على المستوى المعماري أكثر قدرة على تكييف المباني للتجانس مع المفردات والعناصر الأصلية، لكن الأمر يختلف تماماً عندما يتعلَّق بالهيكل الإنشائي وأساليبه الجديدة استجابة للتغيرات المحتملة في طبيعة الاستخدام وتقييم ملاءمته للأحمال الثابتة أو المتحركة بمختلف أنواعها.
بعض المواثيق التي تناولت شروط إحداث تغييرات في المباني التاريخية مثل «المؤتمر الدولي للمعماريين في مدريد 1904م» و»برنامج الترميم الإيطالي 1931م» أشارت إلى حدود نطاقات التغيير التي يمكن الاستفادة منها في إعادة الاستخدام بالمحافظة على الخطوط الخارجية للمبنى وكتلته الأساسية، كما أن المادة رقم (9) من ميثاق البندقية 1964م نصت على أنه «في حالة الحاجة إلى عمل أي إضافات، يجب أن تكون من مواد مختلفة ومميزة وظاهرة للعين المجردة وتحمل طابعاً معاصراً»، وهذا ما يجعل بالإمكان فتح المجال أمام حلول إبداعية ومبتكرة تمكّن من تقديم أفكار أكثر جرأة للتعامل مع السلوك الإنشائي لهذه المباني وجعلها أقل تدهوراً وأكثر تماسكاً وقدرة على البقاء واستيعاب الأنشطة الحديثة.
لفت نظري استخدام مادة «الأسمنت البورتلاندي المعالج» في بعض العناصر الإنشائية في مبان تاريخية ذات قيمة معمارية وتاريخية يجري العمل على تحويلها لفنادق من الدرجة الأولى في مواقع بعضها مدرج على لائحة التراث العالمي في بعض الدول ذات الخبرة العريضة في الترميم بهدف تدعيم الأساسات والأسقف والأعمدة، ولاعتبارات مهنية تم كشف جزء منها كعنصر مستحدث يحمل بطاقة تعريفية تشير إلى أنه عنصر مضاف وهو في الأصل مسحوق ناعم مكون من مواد طبيعية كالأحجار الجيرية والصخر الزيتي والطين ومواد ذات خصائص داعمة منسجمة.
أعتقد أنه من المبكر المناداة بتوظيف مواد بناء عصرية في منظومة ترميم مباني التراث العمراني لكن مثل هذه الممارسات الجريئة تفتح المجال للدراسة والبحث لأغراض تطوير بدائل مشابهة للحلول الإنشائية، كما هو الحديث الآن عن تجارب «الخرسانة الطينية»، ما يمكن الإشارة إليه أن الإفراط في المحاذير والتطرف في تطبيق اشتراطات الترميم لتعزيز أصالة المبنى من شأنه زيادة عوامل التدهور والتقادم نظراً للمتطلبات الفنية والاقتصادية المكلفة جداً خاصة أمام ملاّك المباني الخاصة، وحينها سيكون الجهد مضاعفاً في المستقبل.
علوم البناء الحديثة والشركات المصنّعة قادرة على تقديم بدائل أكثر تطوراً في أعمال الترميم، والتي ربما تستدعي إجراء تغييراً على بنود المواثيق والمعاهدات الدولية والتي كتبت قبل نصف عقد مضى كونها ليست دستوراً ثابتاً، ثمة متغيرات تنموية متسارعة قد تخرج هذه المباني التاريخية من المنافسة في مرحلة ما إذا لم يتم تحديث معايير التعامل معها كأصول ثقافية ذات مسؤولية اقتصادية وليست مجرد ذاكرة مكان.