الثقافية - علي بن سعد القحطاني:
عقدت جلسة حوارية بعنوان: «حرية الصحافة بين الواقع والادعاء»، نظمها معرض المدينة المنورة للكتاب 2023 في نسخته الثانية وذلك مساء يوم الخميس 5 ذو القعدة 1444هـ الموافق 25 مايو 2023 وأدارها الإعلامي الدكتور أحمد العرفج، واستهل حديثه بفضل المدينة المنورة ولا سيما أن جلّ ذكريات د. العرفج بين ثنياتها وتخرّج في كلية اللغة العربية من الجامعة الإسلامية واستحضر زيارة عميد الأدب العربي د. طه حسين للمملكة العربية السعودية بدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود عندما كان وزيراً للمعارف -آنذاك- وزار الدكتور طه حسين المدينة المنورة ولم ينبس بكلمة واحدة وقال: كيف أتكلم وأنا في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وبدأ د. أحمد العرفج يسترجع ذكرياته في بداية كتابته الصحفية مع الأستاذ خالد المالك قبل أكثر من ثلاثين عاماً؛ عندما خيَّره بين الكتابة لصحيفة الجزيرة أو صحيفة المدينة ويرفض أن يكون كاتباً مزدوجاً بينهما، فاختار د. أحمد العرفج صحيفة المدينة ورآها على حد قوله -ممازحاً- أن الأستاذ خالد في حينها يمارس القمع حينها على مقالاته وسوف يردها عليه ويمارس قمعه من خلال إدارة المحاضرة وأثنى د. أحمد العرفج على مسيرة خالد المالك الصحفية ومكانته في الصحافة السعودية ولا سيما أنه يرأس هيئة الصحفيين السعوديين، توازي مكانة محمد حسنين هيكل في الصحافة المصرية.
وقال العرفج: في هذه الليلة سيتحدث الأستاذ خالد المالك عن حرية الصحافة وعن الرقابة وإشكالياتها والأسماء المستعارة في كتابة بعض المقالات.
وقبل أن يبدأ الأستاذ خالد المالك رئيس التحرير في إلقاء ورقته أشاد بالثقافة الموسوعية للدكتور أحمد العرفج وتميّزه في إيصال الرسالة الإعلامية في المحطات الفضائية التلفزيونية والصحف والمجلات التي يكتب من خلالها، وجاءت ورقة «حرية الصحافة بين الواقع والادعاء!!» للأستاذ خالد المالك في معرض الكتاب بالمدينة المنورة متزامنة مع اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف اليوم الثالث من شهر مايو كل عام. وقبل أن يقرأ الأستاذ خالد المالك ورقته استرجع ذكرياته في طيبة الطيبة وأنه ألقى محاضرة فيها قبل ثمانية عشر عاماً وذلك يوم السبت الموافق 17-1-1426هـ محاضرة بعنوان: (نحو تفعيل مؤسسات المجتمع - المدني المجالس والانتخابات البلدية) وذلك -وقتها- برعاية معالي المهندس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الحصن أمين منطقة المدينة المنورة الأسبق ورئيس اللجنة المحلية للانتخابات البلدية بمنطقة المدينة المنورة.
ملخص الورقة
فنّد رئيس تحرير صحيفة الجزيرة ورئيس هيئة الصحفيين السعوديين، خالد المالك ورئيس اتحاد الصحافة الخليجية، مزاعم الغرب حول حرية التعبير والصحافة، مؤكداً أنها انتقائية؛ فمثلاً عن النازية في فرنسا ليس مقبولاً، بينما الإساءة للنبي - صلى الله عليه وسلم - تندرج تحت بند الحرية المزعومة، ولا تخلو دولة أوروبية واحدة من التناقضات، جاء ذلك خلال حديثه في جلسةٍ حوارية بعنوان: «حرية الصحافة بين الواقع والادعاء»، نظَّمها معرض المدينة المنورة للكتاب في نسخته الثانية ضمن فعاليات يومه الثامن، وأدارها الإعلامي الدكتور أحمد العرفج، وذلك ضمن الأنشطة الثقافية للمعرض؛ بعنوان: «حرية التعبير».
وقال المالك: «هذا الشهر يتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، ونتذكر بحزن القتلى والمصابين في معركتهم من أجل حرية التعبير، وهي فرصة للاحتفال بالاستقلالية والتعددية، والحرية التزاماً بأخلاقيات المهنة، والرأي المستقل، بعيداً عن الانتماء والتوجهات التي تدعو للكراهية والعنف والعنصرية»، مضيفاً: «لكل دولة أُطر وقوانين تختلف عن غيرها، وحرية التعبير حتماً تقود للاختلاف في وجهات النظر، ومما لا يفسد للود قضية، هناك خروقات عالمية واضحة لحقوق الصحافيين، ومن يطلق لسانه أو قلمه فإنه سيتعرض للمساءلة والعقوبة».
ودعا المالك إلى التمييز بين الحرية والإساءة للآخرين، وأضاف: «فكل ما يمس الرموز الدينية كالمسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام -، ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يُسمى حرية، بل إساءة»، وزاد في حديثه: «ولا بدَّ من التذكير بأن للصحافي حقّاً في التعبير عن حوادث وقضايا في ظل حماية افتراضية للقانون الدولي، ومن المؤسف أن تتضمن الإحصاءات مقتل 1700 صحافي على مستوى العالم خلال سنوات ماضية؛ بمعدل 80 صحافياً سنوياً، فضلاً عن الجرحى والمغيبين ومن تم إخفاؤهم قسرياً».
وتابع: «أحياناً يُحجّم الصحافي عن الإدلاء بمعلوماتٍ مهمة خوفاً من التصفية، ويكتفي بالتلميحات، كما أن الصحافة تحمل أحياناً معلومات مضللة، وفي ثلث الدول أكد مختصون تورط سياسيين بالتضليل الإعلامي من خلال أدوات صحافية»، مؤكداً أن الغرب يمارس حرية التعبير وفق مصالحه، ومثال ذلك صحيفة «الواشنطن بوست» التي تحولت إلى صحيفة معادية لبلادنا تزيّف الحقائق، ولا تقف على مسافة واحدة وعادلة في تقاريرها وأخبارها المضللة.
وأشار رئيس تحرير صحيفة الجزيرة إلى أن القوانين الصحافية الفرنسية، والألمانية، والبولندية غير موجودة إلا على الورق، وموقف وسائل الإعلام الغربية من القضية الفلسطينية، وغزو العراق، أمثلةً للتزييف والتضليل، وحرية مرهونة بمصالح الداعم والممول، ونشعر بالإحباط بسبب ما ساهم به الإعلام الغربي من مآسٍ تجاه قضايانا ومقدساتنا، والصحافة الغربية لا تجد غضاضة في الإساءة للمسلمين من خلال الرسومات، وحرق القرآن الكريم، أما ما يخص اليهود فلا يسمح به بتاتاً.
وتحدث المالك عن حرية الصحافة الرياضية، مؤكداً أنها ليست موضوعية أو عادلة، ومنصفة حتى صحيفة الجزيرة التي يترأس تحريرها لا تخلو من الانتمائية، فانتماء المشرف على الصفحات الرياضية في الصحف هو المؤثّر الرئيس على الحرية، ومحاولات منع التجاوزات الرياضية يقلِّل الحراك الرياضي، ومحذراً من بخس الأندية الرياضية بسبب الانتماءات.
وحول مستقبل الصحافة السعودية الورقية، قال: «الطلب عليها محدود والانصراف الإعلامي عنها واضح، مما أدى إلى ضعف المحتوى بسبب محدودية الإنفاق عليها»، كما تناول في حديثه موضوعات متنوعة، وهي: التخصصية في الصحافة، واختلاف مفاهيم الحرية الصحافية دينياً واجتماعياً، ونصائح للصحافيين خريجي الإعلام (التدريب والرقابة الذاتية والثقة).
يذكر أن رئيس تحرير صحيفة الجزيرة خالد المالك تجاوزت خبرته الصحافية خمسة عقود، وحصد خلالها الكثير من الأوسمة والجوائز، كما صدرت له مجموعة من الكتب المتخصصة، ومنها: رؤيتي الصحفية، ودور الصحافة في دعم قطاع السياحة والآثار، واختفاء الصحافة الورقية.. متى وكيف، والتجربة الصحفية بالمملكة في ضوء منهج الاعتدال السعودي.
النصّ الكامل
وهذا النصّ الكامل لورقة «حرية الصحافة بين الواقع والادعاء» لرئيس التحرير الأستاذ خالد المالك:
يصادف شهر مايو من هذا العام 2023م مرور ثلاثة عقود على انطلاقة اليوم العالمي لحرية الصحافة، ففي عام 1993م أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن يوم عالمي لحرية الصحافة بناء على توصية من المؤتمر العام لليونسكو، ليكون الثالث من شهر مايو من كل عام موعداً سنوياً للإعلان عن حرية الصحافة، وأن يكون هذا اليوم فرصة سنوية للاحتفال بحريتها وتعدديتها وأنها مستقلة، وتذكير الدول والحكومات باحترام التزاماتها في صون حرية الصحافة.
* * *
وحرية الصحافة تعني فيما تعنيه أن تلتزم بأخلاقيات المهنة، وأن يكون لها دور فاعل ومؤثر في فرض حقوق صحفييها، في حرية التعبير والرأي المستقل، والتمسك بذلك، بعيداً عن الانتماء والتوجهات التي تضر بمصداقيتها وشفافيتها، أو تضعها في موقع المتهم بالدعوة إلى الكراهية والحقد والعنف والعنصرية، وما إلى ذلك مما يخل بميثاق شرفها ورسالتها، ومن ثمَّ يعرّض من يعمل فيها وينتمي لها للتعدي عليه، وتصفيته جسدياً، مهما حاول الحذر، طالما أنه قبل أن ينخرط في مواجهة مسيَّسَة مع آخرين.
ومع أن كل دولة لها مفهومها الخاص في تحديد أطر حرية التعبير لديها، وقوانينها وتشريعاتها في ذلك، وهي تختلف من دولة لأخرى، فإن تطبيقها بين الدول وفي الدولة الواحدة يتم غالباً بشكل انتقائي، ما يعني أننا أمام حرية تعبير منقوصة، ففي فرنسا مثلاً يمنع القانون تكذيب جرائم الإبادة الجماعية ضد اليهود من قبل النازيين، بينما الإساءة للرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- برسومات مسيئة في صحيفة فرنسية يعتبر مقبولاً وضمن حدود حرية التعبير للصحافة هناك، ومثل فرنسا لا تخلو دولة أوروبية واحدة من التناقضات في تطبيقها لقوانينها عن حرية الرأي والتعبير للصحفيين، رغم أنه من حقوق الإنسان الأساسية.
* * *
وحرية التعبير تقود إلى الاختلاف في وجهات النظر بين الصحفيين انطلاقاً من أن لكل إنسان حقه المشروع في التعبير عن رأيه، وبالتوافق على أن الاختلاف لا يفسد للود قضية على حد تعبير صاحب هذا القول، ولكن الكثير من القوانين ذات الصلة بموضوع حرية التعبير في كثير من الدول لا يتم تطبيقها على أرض الواقع بشكل دقيق، فهناك خروقات واضحة لحقوق الصحفيين في التعبير الحر عن آرائهم، ومن يطلق لسانه أو قلمه مخالفاً لسياسة دولته أو لأي حزب أو تنظيم فيها من الصحفيين فإنه سيتعرض للمساءلة في أحسن الأحوال، لكن الأغلب أن هناك عقوبات تنتظره، بما يخالف حرية الصحافة وحقها في التعبير.
* * *
وهناك فرق بين حرية الرأي، والإساءة للآخرين بتوظيف الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها الصحفي لتحقيق ما يرمي إليه من أهداف، وما من شيء أساء إلى حرية التعبير مثلما أساء كثيرون لها من الصحفيين والإعلاميين باستهدافهم رموزاً دينية، مثل من صوروا المسيح في عدد من الأفلام بصور لا تليق، ومثل ذلك ما أساءوا فيه إلى محمد -صلى الله عليه وسلم-. وإذا كانت الإساءة للمسيح قد تولد عنها عقوبات بحق المسيئين، واعتبر ذلك خارج حرية التعبير، فإن من أساؤوا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- قد صنف عملهم على أنه جاء ضمن حقهم في حرية التعبير، في دول تتباهى بأنها مع الصحافة والصحفيين في ممارسة حقهم بحرية التعبير.
* * *
ولا بد من التذكير هنا بأن حرية التعبير حق نصت عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجاء التأكيد في تمتع الصحفي بهذا الحق بما أكدت عليه المعاهدات الدولية والإقليمية، باعتبار أن هذا حقه في إطلاع الناس على المستجدات من الأخبار التي تهمهم، والحوادث التي تعنيهم، والقضايا ذات المساس بحياتهم، في ظل حماية افتراضية بالاعتماد على القانون الدولي لحرية الكلام، مع أن الاتحاد الدولي للصحافة عبر في أحدث تقاريره عن أسفه إزاء تراجع حرية الصحافة في العالم.
* * *
فقد قُتل بين عامي 2003م و2022م قرابة 1700 صحفي بمعدل 80 صحفياً سنوياً، وفقاً لتقارير (مراسلون بلا حدود)، وهذا يظهر الواقع المأساوي بعيداً عن الادعاء بأن الصحفيين يمارسون نشاطهم الصحفي وفقاً لقاعدة حرية الرأي والتعبير، بينما هو على أرض الواقع خلاف ذلك، بدليل هذه الأرقام المهولة من الصحفيين القتلى، وهناك أرقام مفزعة من الجرحى الذين أصيبوا بسبب عدم احترام حقوق الإنسان للصحفيين في ممارستهم لحقهم في حرية التعبير.
أحياناً يحجم الصحفي عن كشف ما لديه من معلومات مهمة، مبتعداً ومتنازلاً عن حقه في ممارسة حريته في إيصال ما لديه من أخبار تندرج ضمن عمله في التعاطي مع المهنة، خوفاً من أن يتعرَّض للتصفية الجسدية ممن يتضرَّر من كشف هذه المعلومات المهمة وغير المعروفة وتقديمها لقرائه أو مشاهديه عبر القنوات المرئية والمسموعة والصحف، مع أنه إن لم يفعل ذلك فهو لا يقدم لمتابعيه العمل الصحفي الحقيقي، مكتفياً بالتلميحات التي تفرِّغ نشاطه من أي قيمة أو فائدة بسبب الخوف من الانتهاكات المتزايدة التي يتعرّض لها الصحفيون.
* * *
يصاحب ذلك ما تحمله الصحافة أحياناً من معلومات مضللة، ما يشكِّل تهديداً كبيراً لحرية الصحافة في كل أنحاء العالم بحسب منظمة (مراسلون بلا حدود)، وقد زادت المنظمة في تقرير لها على ذلك بالقول: إن ثلث البلدان الـ180 التي شملها التصنيف، أشار المختصون الذين ساهموا في وضع تقرير المنظمة إلى (تورط لاعبين سياسيين) في حملات تضليل واسعة النطاق (أو حملات دعائية) بما يتعارض مع حرية الرأي والتعبير وضمان أمن الصحفيين.
* * *
ويقر الاتحاد الدولي للصحفيين بتراجع حرية الصحافة في العالم، معلناً عن أسفه بمناسبة الذكرى الـ30 لليوم العالمي لحرية الصحافة، مضيفاً أن هناك إجراءات صارمة في بعض الدول لعرقلة حرية التعبير، ومنع حق الجمهور في المعرفة، وسن قوانين إعلامية صارمة للحد من تدفق المعلومات بحرية، فضلاً عن مراقبة المحتوى الإعلامي، وفرض قيود إعلامية على الإنترنت، وتعريض الصحفيين للضرب والسجن والترهيب، ووجود ما لا يقل عن 375 صحفياً وعاملاً في المجال الإعلامي خلف القضبان في عام 2022م.
وبالتوازي مع كل ما سبق، فإن دول العالم لا تطبق المعايير في تمكين الصحفيين من ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير، وليست جادة في منع الانتهاكات الجسدية التي يتعرضون لها، والدفاع عنهم حين يتعرضون للخطر، بدليل أن عدد القتلى من الصحفيين والمهنيين العاملين في مجال الإعلام ارتفع بنسبة 50 % في عام 2022م وبمعدل مقتل شخص واحد كل أربعة أيام بحسب تقرير لليونسكو، وأن نصف الصحفيين يتم استهدافهم خارج أوقات الدوام، في منازلهم، أو في مواقف السيارات. ويضيف مرصد اليونسكو إلى ذلك أن الصحفيين معرضون لأشكال متعددة من العنف إلى جانب القتل، وهي تتراوح بين الاختفاء القسري، والاحتجاز التعسفي، والمضايقة القانونية، والعنف الرقمي، ولاسيما بحق الصحفيات.
* * *
وإذا سلمنا بأن حرية التعبير والرأي هي من حقوق الإنسان، وأن حرمان الإنسان من حقوقه أمر يتعارض مع منطوق المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث نصت على حق الإنسان في حرية التعبير، وأدركنا أن اليوم العالمي لحرية الصحافة أسس للتأكيد على حق الصحفيين في حرية التعبير دون تدخل، جاز لنا القول بأن حرية التعبير لا تعني الإساءة للآخرين، ومثلما قال رئيس أساقفة فيينا في تصريح نُشر له في صحيفة الشرق الأوسط بأن حرية التعبير بريئة من الإساءة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبريئة كذلك من حرق المصحف الشريف، رافضاً أن يوصف ذلك بأنه حرية التعبير.
* * *
لكن الغرب يتعامل مع مبدأ حرية الرأي والتعبير وفقاً لما يستجيب لمصالحه وأهدافه وسياساته، والشواهد على ذلك كثيرة، فما يجري للصحفيين الفلسطينيين في إسرائيل من ممارسات ضدهم من قبل القوات الإسرائيلية تصل لحد القتل أمر تتغاضى عنه أنظمة الغرب، بل وتتجاهله وسائل إعلامها التي هي أبعد ما تكون عن الحيادية، إذ إنها تتعامل بحسب ما يحقق لها مصالحها، ولدينا الدليل الفاضح؛ فقد تحولت صحيفة مثل (الواشنطن بوست) إلى صحيفة معادية للمملكة وإلى إساءات في كل ما يُنشر فيها عن بلادنا، ما فسر بأنه أبعد ما يكون عن الرأي والرأي الآخر الذي يفسر حرية الرأي وموضوعيته وصدقه والتعامل مع القضايا على مسافة واحدة مع جميع الأطراف.
هناك ضرورة لوجود ضوابط تمنع تجاوز هذه الحرية إلى الاعتداء على حريات الآخرين، وهذه القيود لا يفترض أن تفرغ حرية الرأي والتعبير من مكامن الحق المشروع الذي أقرّه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الـ(19) واليوم العالمي لحرية الصحافة، لأن الخروج عن المفهوم الحقيقي لهذه الحرية، وتوظيفها لتشويه الحقائق يبعدها عن سياقها، ويجعلها معول هدم لكل الجوانب التي قصد منها تأسيس حق للصحفيين بممارسة حريتهم في التعبير دون تدخل أو ضغوط عليهم.
ويلاحظ أن القانون الفرنسي يمنع أي ممارسة صحفية تؤدي إلى ما يخالف هذه الحرية بإثارة الحقد والكراهية والتعرّض للمعتقدات الدينية، بينما في ألمانيا ينص قانونها على منع خطابات الكراهية ضد العرق والدين، وفي بولندا يزيد قانونها على ذلك بمنع الأفكار والكلمات والصور وكل ما يمس الأخلاق، لكن عند التطبيق في هذه الدول وغيرها، فإننا نجد أنفسنا أمام شكل آخر من أشكال الضوابط لحرية التعبير، فهي على الورق تنسجم مع القوانين، ولكنها عند التطبيق تتداخل معها المصالح والسياسات والمواقف، فتأتي الحوادث متناقضة مع المفهوم الواضح في قوانين هذه الدول وغيرها، ما يجعلنا أمام تساؤل بلا إجابة: هل هذه الإساءات من نص قوانينهم أم من روحها أم من أهدافهم؟
ومع كل عام -وتحديداً في الثالث من شهر مايو - نحتفل بذكرى جديدة لانطلاق اليوم العالمي لحرية الصحافة، لكننا في حقيقة الأمر نحتفل بيوم حزين عندما نتذكر الأعداد الكبيرة من الصحفيين التي فقدت حياتها بجرائم يندى لها الجبين وهي تقوم بعملها في نقل المعلومات والأخبار للمتلقين، حيث يأتي القتل والإصابات والسجون رداً على استشعار الصحفي بمسؤوليته لتكون هذه نهاية تمتعه بأجواء حرية الرأي والتعبير المزعومة، ولم تفلح ما تنشره منظمات حقوق الإنسان والاتحاد الدولي للصحفيين والمنظمات الحقوقية الأخرى عن جرائم وانتهاكات بحق الصحفيين في وقف جرائم القتل وانتهاك الحريات، واستمرار تعرضهم لمخاطر جسيمة.
وتشير اليونسكو نصاً إلى أشكال أخرى للقمع ومنها: التشهير، والقوانين المتعلقة بالإنترنت، وتشريعات مكافحة الأخبار الكاذبة التي تستخدم كوسيلة للحد من حرية الصحافة، وخلق بيئة سامة للصحفيين، وهناك العنف، والاختفاء القسري، والاختطاف، والاحتجاز، والمضايقات القانونية، والعنف الرقمي، واستهداف النساء بشكل خاص، وهذه كلها تمثِّل جانباً من المعاناة التي يمر بها الصحفي إذا ما أراد أن يمارس حريته في التعبير على نحو مستقل وبعيداً عن التدخلات.
وإذا كان هناك ما يمكن أن يُقال عن الإعلام الغربي الذي يزعم من يزعم بأنه يتمتع بحرية مطلقة وهو كذلك، إلا أنها حرية تفتئت على الحقيقة في ممارساتها، بما تنشره أو تذيعه في وسائل إعلامها؛ فهي توظِّف إمكاناتها وقدراتها في التأثير على الرأي العام وفق أيديولوجيات خاصة بها، ومن خلال أجندة تنسجم مع ما تريده حكوماتها وأحزابها وانتماءاتها الدينية أو السياسية، فضلاً عن أن المال الذي تعتمد عليه هذه الوسائل بشكل مباشر أو غير مباشر يفعل مفعوله في تأثير المصدر على مسار الوسيلة الإعلامية، بحيث لا يمكن لها أن تتحرك خارج دائرة توجُّهات وسياسات ما يريده الممول والداعم لها.
والموضوع بهذا التصوُّر لا يحتاج مني إلى ما يؤكده؛ فلدينا أمثلة عدة نأخذ منها موقف وسائل الإعلام الغربي من القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، وتبعيته لحكوماتها في سياساتها المناصرة لإسرائيل، ومثله الموقف من الغزو الأمريكي للعراق، وتطابق وجهات نظر هذا الإعلام مع ما كان يصرح به رؤساء ومسؤولو هذه الدول؛ ما لا نحتاج معه إلى دليل للتأكيد على أن حريتها مقيَّدة، إن لم تكن مرهونة بمصالح مَنْ يموِّلها ويدعمها؛ ما يعني أنها حرية تفعل ما لا يوصي به العقل دون أن تكون بذلك تملك الجهل، وهي بهذا الأسلوب إنما تنفذ سياسات تجعل منها وسائل إعلام وكأنها تملك حرية التعبير وهي لا تملكه.
وأعرف وتعرفون أن وضع ضوابط تحول دون التجاوزات المتوقعة في مقابل توفير مناخ يسمح بالمرونة في التعاطي مع مبدأ الحرية في وسائل الإعلام هو كمن يطالب بالمستحيل، وأنه لا خيارات كثيرة أمامنا لتمكين الإعلاميين من التمتع بحرية تسمح لهم بالتعبير عن وجهات نظرهم حتى مع التزامهم بالموضوعية والتجرد من الهوى، وبالتالي لا أقل من أن نعبر عن عدم الرضا عن الوضع القائم، وأن نقترح الحلول التي نراها لمعالجة هذا الخلل ولو بشكل جزئي، فهذا أفضل بكثير من أن نلتزم الصمت أمام هذا الوضع، أو أن نتعايش معه على أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان.
ولا بأس - مع كل هذا - أن نعبّر عن عدم رضانا، بل وعن سخطنا وشعورنا بالإحباط - وهذا أضعف الإيمان - أمام ما ساهم به الإعلام الغربي من مآسٍ بحق دول وشعوب ومؤسسات على امتداد العالم، فالبوح بذلك هو - على الأقل - مواجهة مشروعة للحرية الغائبة أو المغيبة في وسائل الإعلام، بانتظار ما يمكن أن تفرزه هذه المواجهة مع الإعلام المدعوم بقوة المال والغطاء السياسي، وبقية عناصر القوة التي تتمتع بها من نتائج تصب في مصلحة إيجاد مناخ وأجواء لخلق بيئة مناسبة للإعلام الحر الذي يلتزم بأخلاقيات المهنة.
ومع أن العالم - بدوله ومؤسساته - يدرك بداهة أن اليوم العالمي لحرية الصحافة يركّز عند حلول مناسبته السنوية على إصدار البيانات والإعلانات التي تذكّر بالعنف الذي يمارس بحق الإعلاميين، والأخطار التي تهدد حياة كل من ينتمي إلى هذه المهنة، وأن ضمان سلامة الصحفيين تعدّ موضوعاً له الأولوية في اهتمامات كل أحرار العالم، وهو اهتمام مطلوب ويندرج ضمن مشروعية أن يتمتع الإعلامي بحقه في حرية التعبير ودون المساس بسلامته أو تعريض حياته للخطر، لكن هذا الاهتمام وحده لا يلبي الشق الثاني من الرسالة الإعلامية، وأعني به ضرورة أن تلتزم الصحافة وكل وسائل الإعلام من جانبها بالحقيقة المجردة من الهوى فيما تقدمه لجمهورها، بمعنى أن تستثمر حقها في ممارسة حرية التعبير ولكن بما لا تفتئت فيه على الحقيقة، وهذا يتطلب مع تصاعد وتيرة العنف ضد الصحفيين، وما يرافقه من إجراءات ومبادرات للدفاع عنهم، أن يتم التركيز أيضاً على التنديد بكل توجه من الصحافة يشم منه أنه يسيء إلى حقوق وحريات ومصالح الغير.
فصحافة الغرب - على سبيل المثال - لا تجد غضاضة في نشر رسومات مسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وللمقدسات الإسلامية وللدين الإسلامي وللقرآن الكريم، بزعم أن ذلك ينسجم مع مبدأ حرية التعبير التي تتمتع بها الصحافة هناك، لكن هذه الحرية المزعومة لا توظف ولا تُستخدم بل وتكاد تختفي تماماً حين يتعلق الأمر بما قد يكون له علاقة باليهود - تحديداً - حتى ولو لم يكن ما سيُكتب ليس عن دينهم ورسلهم وأنبيائهم، وإنما هو عن حدث تختلف الروايات حوله كالمحرقة اليهودية التي لا يُسمح للصحافة ولكل وسائل الإعلام بالتشكيك فيها؛ ما يعني أن القول بأن هناك دولاً تتمتع صحافتها بحرية مطلقة، وأنه لا سلطة عليها ولا مساءلة عما يُنشر فيها، هو قول مشكوك فيه، ومردود على قائله، بل إنه لا يمثِّل الواقع.
المداخلات
استهل المداخلات مدير الندوة د. أحمد العرفج بتساؤل عن امتلاك الصحافة الرياضية للنصيب الأكبر من «حرية التعبير» فأجاب الأستاذ خالد المالك من خلال خبراته الصحفية الممتدة لأكثر من خمسين عاماً حينما كان يعمل محرراً في الصحافة الرياضية بأن حرية النقاشات والتعبير والإثارة موجودة في الصحافة الرياضية وهي بمكانة «مطبخ ممتاز» لصقل المواهب الصحفية وفرصة للصحفي لأنّ يجوّد أدواته ويتقن مهاراته اللغوية وكتاباته الصحفية وأن انتماء الصحافة الرياضية تخضع لانتماء المشرفين عليها في جميع الصحف ولا يستثني منها أحداً بما فيها صحيفة الجزيرة.
- أشار الأستاذ خالد المالك في إحدى مداخلاته إلى أن معاناة الصحافة قد ازدادت بعد اختفائها ورقياً من الأسواق وضعف محتواها وانصراف المعلنين عنها.
- تساءل الأستاذ ياسر الشاذلي عن ضوابط الرقابة في السوشيال ميديا وكيفية تقديم مادة إعلامية لا تسيء لأحد؛ فأجاب الأستاذ خالد المالك أن هناك ضوابط ولا بد من إصدار تراخيص إعلامية جديدة لها ولا بد من إخضاع الممارسين لها لدورات تدريبية للدخول في هذه المهن الإعلامية الجديدة بشكل أفضل.
- في مداخلة للأستاذ عبد الله الصويل وتساؤله عمن يملك الخطوط الحمراء في الصحيفة؛ أوضح الأستاذ المالك أن رئيس التحرير هو المسؤول الأول في الصحيفة وعن كل ما ينشر فيها وأن رئيس التحرير يقوم بتوكيل نواب رئيس التحرير ومديري التحرير والأقسام بإجازة موادهم الصحفية وعند الإشكال عند نقطة معينة يرجعون إلى رئيس التحرير في الصحيفة.
- رأى الأستاذ عمر البساطي أن الصحف لا تنشر عن الكتب إلا بواسطة أو معرفة سابقة وهو ما نفاه رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك، وقال: أي كتاب يأتي للصحف يأخذ اهتمامه ونصيبه في النشر بحسب النشر بحسب العرض الصحفي.
- تساءلت الإعلامية هبة محروس عن تبعية الصحافة للسوشيال ميديا ومن فيهما يتبع الآخر في الوصول إلى المعلومات، فأجاب الأستاذ خالد المالك بأن كل منهما لا يستغني عن الآخر وأن هناك تعاوناً فيما بينهما في هذا الشأن.
- في تساؤل حول انعدام الأمان الوظيفي للصحفي؛ بيّن رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك أن الصحفيين القدامى يخضعون لنظام التأمينات الاجتماعية، وحاليا الصحف متوقفة عن التوظيف لضعف الموارد في الوقت الحالي.
- ونعتذر عن استكمال بقية المداخلات لضيق المساحة.