ناهد الأغا
ذات مساء في يوم صيفي جميل كان لنا موعد مع جمال الطرب والإبداع على مسرح أبو بكر سالم، مساءات في الذاكرة أعادها لنا معالي المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، وهو الذي وجد الفن واستشعر الإحساس والشغف والأدب والثقافة يُحيي فينا جمال الطرب والموسيقى في ذلك الزمن الجميل، الذي ما زلنا نعشق ألحانها وتأسرنا كلماتها، وأداؤها، ونقف من خلالها على أجمل الأطلال والذكريات الغابرة.
فكنا على موعد في ليلة رائعة وجميلة، أُضيفت فيه صفحة مشرقة في كتاب الوطن، مشتملاً على لوحة فنية إبداعية بإمضاء وتوقيع صاحب الإبداع والتألق، وعاشق التجديد معالي المستشار تركي آل الشيخ، فاجتمع فنانون عرب يمتازون بجمال الصوت وعظيم الأداء في ليلة كُرِمَ بها الموسيقار المصري الراحل محمد الموجي.
شعور افتخار واعتزاز، تملكني أثناء حضوري هذا الاحتفال الكبير والجميل جداً، وأنا أرى صورة جميلةً للمملكة العربية السعودية، يزداد ألقها يوما ًفيوم، وتهل البشائر السارة والخيّرة تباعاً لحظة فلحظة، وإلى مدى بعيد متفردة بتميز وعنفوان لا يداينها فيه أحد.
طربت المسامع، وحلقت بخيالها بعيدة جداً، على إيقاع الأصوات الشجية، التي صدحت مغردة بأغانٍ خلدتها الذاكرة، واستقرت في النفوس، وتطرب الأذن لها، فكم كان لوقع صوت المطربين بتلك الكلمات العابرة والألحان القوية من جميل الأثر في النفس، فلا زالت أغاني العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، ماثلة في الأسماع، ومثار الاستحسان، فحين افتتحت الأمسية الطربية مع الفنان صابر الرباعي، وأدائه للروائع (جبار) و(قارئة الفنجان)، اللتين كانتا من أجمل ما جاد به الفنان الراحل عبدالحليم حافظ، وعاشت أجيال ممتدة على جمال وقعهما، انبعثهما بألق وعنفوان في بداية الاحتفال، ليطرب المسرح والحضور بعدها برائعة العندليب أيضاً (صافيني مرة)، التي تألقت بغنائها وصوتها العذب الرنان الفنانة أنغام، ليسرح الخيال بأدائها إلى صفاء شعور لازم هذه الأغنية كلما تناهت كلماتها ولحنها إلى الأسماع.
وكان لما أعقبته بإبصار (عيون القلب)، للسيدة نجاة الصغيرة، من نور شاع في قلوب السامعين وأسماعهم وذوقهم الرفيع.
وكم أسعدني أن أسمع صوتاً سعودياً نسوياً شاباً، وأرى تميزا ًرفيعا ًفي التألق والأداء، وكأننا على موعد مع عمالقة الغد، فقد كان لصوت الفنانة السعودية الشابة زينه عماد الجميل الواعد في أدائها لأغنية (يما القمر على الباب) رائعة الفنانة فايزة أحمد، من أثر بالغ ترك في الأذن صدى عميقا ًجداً، وتأزر صوت عربي شاب كذلك مع جمال الصوت السعودي الشاب، بأداء المغنية الشابة المصرية مي فاروق بأغنية (أسال روحك) لكوكب الشرق أم كلثوم.
وكيف لي ألا أُبهر بالأداء الرفيع للفنان السعودي العملاق عبادي الجوهر، حين شدا مدويا ًبأغنية (كامل الأوصاف) لعبدالحليم حافظ، ورائعة صوت الأرض -رحمه الله - طلال مداح (لي طلب)، فهنا يقف اللسان عاجزاً عن الوصف، حين تشعر بنطق المعمورة، وكأنها تنطق بعد السكون.
وتعالت أصوات الجمال الرخيم مع الفنانة المصرية شيرين، حين غنت لسيدتين عملاقتين من زمن الفن والطرب الأصيل، فأعادت ألق (أنا قلبي ليك ميال) رائعة السيدة فايزة أحمد، و(للصبر الحدود) رائعة السيدة أم كلثوم.
وفاحت رائحة مسك الختام بالصوت الهادئ الجميل للفنان ماجد المهندس، وأُرسلت (رسالة تحت الماء) رائعة الراحل عبدالحليم حافظ، بأدائه الفخم الرزين، واختتم الحفل برائعة السيدة وردة الجزائرية (أكذب عليك).
غادرنا بعدها المكان نعم، لكن ما بقي أكبر بكثير، فكم سيعرف شباب اليوم عما كان في زمن العمالقة، ويعلموا كيف يكون معنى الخلود، وصناعته أيضاً في زمن يصعب على الآخرين فعله، وننتظر إنجازات وإبداعات قادمة من فكر نير من صاحب الفكر المتقد معالي المستشار تركي آل الشيخ.