الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تقوم المملكة العربية السعودية بحملة قوية حازمة لمكافحة المخدرات، أثمرت نتائجها الأولية عن ضبط عدد من المروجين والمتاجرين والمتعاطين لتلك الآفات والسموم، وفق ما أعلنته الجهات الأمنية المختصة.
وتجيء تلك الحملة استمراراً للجهود الأمنية التي تضطلع بها القطاعات المعنية في مطاردة المجرمين لاجتثاث جذورهم وبؤرهم الفاسدة.
«الجزيرة» التقت عدداً من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية والطبية ليتحدثوا عن مخاطر المخدرات، وآثارها على الفرد والمجتمع؛ فماذا قالوا؟:
آفة العصر
يؤكد الدكتور سليمان بن محمد النجران أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم: أن المخدرات داء وبيل، وشر مستطير، باب دخوله حماقة، وولوجه سفاهة، الداخل فيه مفقود، والخارج منه مبتور، به تدمير الأبدان، وهدم البلدان، وتعطيل العقول والأسماع، تحرمه الطباع السليمة، وتمقته الأذواق الرفيعة، وتتفق على فحشه الملل الكريمة، قال الشاطبي: "وحرم شرب الخمر لما فيه من تفويت مصلحة العقل برهة؛ فما ظنك بتفويته جملة".
مشدداً على أن المخدرات: آفة العصر بلا منازع، مهلكة الأبدان، مضيعة العقول، مفسدة الأخلاق، أم الجرائم، وأصل الخبائث، وطريق الرذائل، كم من بيت أشقته، وكم من أسرة قطعت أوصالها، ومزقت كيانها.
وفق الله قادتنا، وأمدهم بعونه، وأعان رجال أمننا؛ لاجتثاثها من أصلها، وقطع دابرها من منبعها.
أصل الشرور
ويقول الدكتور سعيد بن مرعي السرحاني أستاذ الفقه بجامعة الملك خالد بأبها: لا يكاد يختلف عاقلان أنها أم الخبائث، وأصل الشرور؛ تذهب بدين صاحبها وعقله؛ تفني المال، وتهتك العرض، وتشتت الأسر، ولله الحمد فثمة جهود عظيمة لحماية النشء منها، واستنقاذ من ابتلاه الله بها؛ بدءاً بالتوعية والتحذير؛ مروراً بطرق العلاج من الإدمان، وانتهاءً بالزجر والقبض والأخذ على يده من قبل السلطان.
ومع أهمية ما سبق من وسائل فإن ثمة باباً عظيماً؛ هو أفضل الأبواب وأكمل الأسباب يغفل عنه كثير من الناس يحصل به درء شرها عمن لم يقارفها، ويصلح الله به من ابتلي بها؛ ألا وهو الدعاء؛ الدعاء للمسلمين كافة أن يكفيهم الله شرها، ولمن وقع أن يهديه الله للتوبة منها، والإقلاع عنها، والدعاء للقائمين على هذه الحملة؛ قادة، أو عاملين أو قطاعات أمنية، أن يسددهم الله، ويعينهم ويكلل مساعيهم بالنجاح.
الحرب المسعورة
وتوضح الدكتورة هدى بنت دليجان الدليجان أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل بالأحساء أن المخدرات دمرت الشباب وهتكت أمان الأسرة، وزادت نسبة الفقر، وتعاظمت الهموم والأمراض، وصاغت الانحراف بأشكال مريرة، تلك هي المخدرات وأكثر..
فترصدت لهم حكومتنا الرشيدة بأسلحتها وأبطالها لمواجهة هذه الحرب المسعورة على الفرد والمجتمع السعودي؛ فالله في عون بلادنا وجنودنا وإخواننا القائمين على هذه الحملة بأقلامهم وعدتهم وأجهزتهم في النصر على هؤلاء الأعداء الفاسدين في كل شارع ومنفذ وعتاد، وحفظ الله بلادنا وأبناءنا من كل آفة شر وبلاء.
أم الخبائث
ويشير الدكتور محمد بن إبراهيم الرومي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض سابقاً، ومعبر الرؤى والأحلام المعروف أن المخدرات من الخبائث والمفسدات التي حرمها الإسلام، وقد اتفق علماء الأمة على حرمتها بأنواعها المختلفة لأنها تتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت للمحافظة على ضروريات الحياة الخمس، والنصوص القرآنية في الكتاب والسنة تؤكد وتبين ذلك بأنها أم الخبائث.
إن جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة المخدرات تذكر فتشكر؛ فهي جهود نابعة من تعاليم الإسلام الذي تطبقه قولاً وعملاً، ومن حرص ولاة الأمر على أمن الوطن وحماية شبابه من تلك السموم؛ فقد عملت منذ سنوات طوال على محاربة المخدرات حيث سنت الأنظمة والقوانين، ووفرت الإمكانات المادية والبشرية، وهيأت الكوادر القادرة على مكافحة المخدرات وملاحقة المجرمين، الذين يسعون في الأرض فساداً وإفساداً، وتطبيق الحدود الشرعية بهم.
وإننا إذ نحمد المولى عز وجل على الحملات الاستباقية التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده في حربها ضد المخدرات؛ فبالأمس القريب قضت على الإرهاب وفلوله، وتتبعت مواطن الفساد واجتثاثه، والآن تجاهد في الميدان لتطهير البلاد من المخدرات التي أهلكت الحرث والنسل، وبلادنا محسودة، وشبابنا مقصود، وإنه لحري بكل المؤسسات المجتمعية أفراداً وجماعات الوقوف صفاً واحداً مع حكومتنا الرشيدة، وبالذات الأسرة والمدرسة والمسجد وغيرهم القيام بدورهم الوقائي كل فيما يخصه، كما أن للإعلام دوراً رئيسياً في التوعية والتوجيه وبمشاركة العلماء والدعاة والخطباء ورجالات الفكر والأدب ذكوراً وإناثاً، لأننا مستهدفون في عقيدتنا واقتصادنا وشبابنا، وتلك الحرب الضروس مسؤولية المجتمع بكل أطيافه وشرائحه للتصدي لسمومها وآفاتها، مشيداً بما يقوم به ولاة أمرنا -حفظهم الله- ودولتنا -حرسها الله- في مكافحة هذه السموم والمخدرات والآفات الذي يشهد له الواقع ويعرفه القاصي والداني، وذلك لحماية الضرورات الخمس التي حماها ديننا ومنها: الأنفس والعقول، ولا ننسى دور جميع الجهات لمحاربة المخدرات فجزاهم الله خيراً.
حفظ الله بلادنا الغالية وأهلها من شر الأشرار وكيد الفجار.
دور الأسرة
ويشدد الدكتور هشام بن عبدالكريم المشيقح، من جامعة المستقبل بمنطقة القصيم، على دور الأسرة الأساسي الذي يتمثل في ضمان التربية السليمة للطفل من جميع النواحي الجسمية، الفكرية، النفسية، الدينية، والسلوكية، حتى ينشأ نشأة سوية وإعداده ليكون عنصراً فاعلاً في مجتمعه، فالتربية التي يمنحها الوالدان تشكل أول خط دفاعي وأول حصانة ضد الآفات الاجتماعية التي سيواجهها الطفل في حياته اليومية خارج البيت، كما أن الأسرة من خلال حماية أفراد الأسرة تدفع عنهم كل خطر يهدد حياتهم، سواء من التصرفات غير الاجتماعية أو غير ذلك، وحماية الأفراد من خطر تعاطي المخدرات إنما يتم للأسرة من خلال حديث الأب مع أبنائه وتبصيرهم بهذا الخطر الداهم، وجذب انتباههم لمواجهة هذه المشكلة المجتمعية الخطيرة بإمدادهم ببعض الكتب والمنشورات التي تحثهم على تكوين اتجاهات سالبة نحو المخدرات والعقاقير.
لذا على الأسرة يقع دور توعية الأبناء ورقابتهم وتهيئة الجو المستمر لهم حتى يتم تجنيبهم من شتى أشكال وأنواع المخاطر، ولأن الأب والأم هما قدوة لأبنائهما، حتى لو لم يفعلوا ذلك عمداً.
إن الأبناء يتحركون ويتكلمون كما يتحرك آباؤهم ويتكلمون، ولذا يمكن استخدام هذه الظاهرة في وقاية أبنائهم من خطر تعاطي الخمور والمخدرات؛ فمن خلال تحلي الأم والأب بالخلق والتدين السليم فإنهم يحفظون أبناءهم من السلوك المنحرف ومن تعاطي المخدرات. ولوقاية الأسرة من الوقوع في الإدمان والحفاظ على الأبناء من الوقوع في شباك وعبودية المخدرات، أن تعود أبناءها على حضور الصلاة في جماعة المسجد دائماً من خلال ترغيب وترهيب جيد، حتى يمكن لها أن تقيهم من الانزلاق إلى الرذيلة والاستجابة لدعاة الشر والفساد من رواد تعاطي المخدرات، كما يجب عليها أيضاً أن تقوي صلة الأبناء بالله والتقرب إليه لملء الفراغ الروحي لديهم، وإما أن يكون ذلك بوجود القدوة الصالحة وأسلوب التربية الرشيد، والحرص على الالتحاق بحلقات القرآن الكريم فهي الأمان من الانحراف وراء كل ما هو مضر ومفسد.
نقاط مهمة
ويحدد الدكتور هشام المشيقح بعض النقاط التي يجب أن تتبعها الأسرة للمحافظة على أبنائها من خطر المخدرات، وهي:
1 - اتباع أسلوب التوازن التربوي للأبناء فلا يكون هدفنا هو القسوة عليهم ولا نقدم لهم التدليل بشكل كبير فنكون بذلك قد ساعدنا في إفساد أبنائنا وربما نكون نحن من مهدنا لهم الطريق إلى وقوعهم في طريق الإدمان.
2 - الحذر من التمييز بين الأبناء أو المقارنة بينهم وتفضيل أحدهم على الآخر.
3 - العمل على تنمية روح الحوار بين الآباء والأبناء، والتعود على طرح المشاكل الشخصية في محيط الأسرة.
4 - التعود على حسن الاستماع والإصغاء إلى الأبناء وخاصة في مرحلة المراهقة.
5 - التدقيق في اختيار الأصدقاء من الجيران ومن الأقارب.
6 - أن تعوّد الأسرة أبناءها على استثمار وقت الفراغ في عمل مفيد.
7 - أن تنمي الأسرة جانب الصدق مع الأبناء والتحذير من الكذب وعواقبه الوخيمة.
8 - على الأسرة أن تستقدم للأبناء وسائل ترويح مفيدة، وكذلك اقتيادهم لكل ما هو مفيد مع المراقبة.
9 - ألا تتمادى الأسرة في خروج الأم للعمل خارج المنزل إلا في حالات الضرورة القصوى، كفقد العائل مثلاً.
ضرر الجهاز التنفسي
وفيما يتعلق بإدمان المخدرات وأخطارها على صحة الجهاز التنفسي يقول د. أحمد قعقع -اختصاصي أمراض الأنف والأذن والحنجرة بمستشفيات الحمادي بالرياض: لا يسلم عضو من أعضاء جسم الإنسان المدمن للمخدرات من آثارها المدمرة، وتختلف درجة الضرر بين عضو وآخر، أو جهاز وآخر من أجهزة الجسم باختلاف نوع المخدر، ومدة التعاطي، وطريقة التعاطي، ولأن طرائق التعاطي التقليدية لمعظم المواد المخدرة تتم عن طريق الفم والأنف، كونهما وسيلة إدخال المادة المخدرة للجسم بالاستنشاق أو البلع، فيجدر التوقف عند الأضرار التي تلحق بهذا الممر الهوائي لرصد الآثار المدمرة لإدمان المخدرات على كل من الأنف والبلعوم والحنجرة. ومن أبرز الأعراض شيوعاً عند الشخص المدمن الاحتقان والإحمرار المستمر على مستوى الأغشية المخاطية، وهو ما يؤدي إلى الرعاف وتكرار الانتانات بمنطقة الحفرة الأنفسية، ومع استمرار استنشاق المواد المخدرة قد يحدث ثقب بالحاجز الأنفي، وأخطر ما يترتب على ذلك: خلل في الوظيفة التنفسية للأنف، وتكرار الرعاف الشديد من حين لآخر، وضمور الأغشية المخاطية بسبب حدوث تليف في الشريانات الأنفية.
ويضيف د. قعقع وكثيراً ما يصاب المدمن بنقص تدريجي في حاسة الشم يصل إلى انعدامها، بسبب التأثير السمي للمخدر على الخلايا العصبية الشمية، كذلك فإن الشخص المدمن يعاني من احتقان في البلعوم بسبب التعرض للتخديش المستمر في أثناء استنشاق المواد المخدرة السامة، ويصل الأمر في كثير من الأحيان إلى حدوث تقرحات التهابية بالبلعوم وضعف في مناعته ومقاومته، حيث يمتلئ بالانتانات، والفطريات المرضية، ناهيك عن عسرة البلع المرافقة لهذه الأعراض، وفيما يتعلق بالحنجرة، فإن إدمان المخدرات يحدث خللاً في الوظيفة التنفسية لها الاحتقان المستمر لغلافها أثناء البلع، بخلاف التهاب الحنجرة المزمن وبحة الصوت، وآلام الحلق، واحتقان الحبال الصوتية، وهذه الأعراض تهيئ الظروف للإصابة بسرطانات الحنجرة والبلعوم.